والأسباب التي تيسر للعبد الثبات على الأعمال الصالحات أسباب إيجابية وأسباب سلبية: أما الأسباب السلبية؛ فلا بد أن يتجنبها المرء، وأشد وأخطر هذه الأسباب هو الشرك بالله، فهو من الأسباب التي تعطل مسيرة الثبات على الأعمال الصالحات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، وقال الله تعالى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:217]، فالشرك بالله من محبطات الأعمال والعياذ بالله، وتجنب الشرك من الأسباب الميسرة للثبات على الأعمال الصالحات.
ومن الأسباب السلبية التي يجب تجنبها كذلك: الرياء والعياذ بالله، فإنه من الأسباب الصارفة عن الثبات على الأعمال الصالحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به) أي: فضحه إلى يوم القيامة ولم يثبته على طاعة؛ لأنه لم يفعلها لوجه الله جل وعلا.
وروى النسائي وأبو داود والبغوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جاءه رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليُرى مكانه، -أي ذلك في سبيل الله؟ - أو قال: ما له يا رسول الله؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس له شيء.
فقام الرجل فقال: يا رسول الله! أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه، ما له؟ قال: ليس له شيء -قالها ثلاثاً- ثم قال في الثالثة: ليس له؛ إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وابتُغي به وجه الله جل وعلا)، فالرياء من محبطات الأعمال ومن العوائق على الثبات على الأعمال الصالحات، فإن أنشأ عبادة رأى فيها مكانه عند الناس والعياذ بالله، أو طرح مكانه عند الله جل وعلا، فإنه لا يثبت على هذه الطاعة، بل تجر له المعاصي وتطرح عنه الطاعات.
أما الأسباب الإيجابية التي تثبت المرء على الأعمال الصالحات، وتيسر له أن يسارع في الخيرات عند رب البريات، فأولها وأهمها: هو الإخلاص لله جل وعلا: قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5]، وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف:110] أي: كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، وفي الصحيحين كذلك: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) نعوذ بالله من ذلك.
ومن الأسباب الإيجابية أيضاً التي تثبت العبد على الصالحات: القصد في الطاعات؛ لأن الهمة يمكن أن تأتي للعبد في ليلة من الليالي فيقوم تلك الليلة في طاعة الله ثم يجلس بجانب هذه الليلة شهراً بعيداً عن طاعة الله جل وعلا، وهذا ليس ممدوحاً عند الله، بل لو قام بركعة واحدة كل ليلة طيلة الشهر ولو لعشر دقائق، لكان أفضل عند الله سبحانه وتعالى من هذا الرجل الذي قام ليلة يجتهد فيها ثم مكث شهراً متقاعساً عن عبادة الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فسددوا وقاربوا، وعليكم بشيء من الدلجة)، وقال أحدهم: ما رأيت مثل النار نام هاربها، وما رأيت مثل الجنة نام طالبها.
كذلك من الأسباب الإيجابية التي تساعد العبد على الثبات على الأعمال الصالحات: الدعاء الذي هو مخ العبادة، أو كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدعاء هو العبادة)، فالعبد بتضرعه وتذلله لله جل وعلا بأن يثبته على الحق يجعل الله يثبته على الأعمال الصالحات، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، أي: في القبر.
ومن الأسباب الميسرة أيضاً للثبات على الأعمال الصالحات: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياكم على الأعمال الصالحات وأن يتقبل منا ومنكم.