الشبهة الرابعة: ادعاء أن التعدد يولد الضرر، ومعلوم أن الدين قرر أنه (لا ضرر ولا ضرار)، فالأدلة محفوظة عند النساء إلا أنها غير مفهومة، فتجد إحداهن تقول: أنا امرأة أغار، ولو علمت أن زوجي في الليلة الثانية سيبيت مع الأخرى قد أموت من شدة الغيرة! فنقول: لست أفضل من عائشة ولا أغير منها، فقد كانت رضي الله عنها وأرضاها ذات غيرة شديدة على رسول الله حتى أنها تجرأت في الحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب:50] فقالت: يا رسول الله ما أرى الله إلا يسارع في هواك.
ومن المواقف التي تبين شدة غيرتها ما حدث معها لما سافرت مع رسول الله في أحد أسفاره، وكان معها حفصة، فقالت لـ عائشة: يا عائشة هلا ركبتي مكاني وأركب مكانك فتنظري إلى ما أنظر وأنظر إلى ما نظرت -وهذه حيلة من حفصة لما تعلم أن رسول الله يعجبه أن يجاري مركب عائشة ويداعبها-، فقالت عائشة: فاركبي مكاني وأركب مكانك، فركبت حفصة مكان عائشة وركبت عائشة مكان حفصة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بفرسه ليساير عائشة إذ هي أحب نسائه إليه، فنزلت عائشة ووضعت رجلها في الحشيش فقالت تدعو على نفسها بالموت: ليست حية أو عقرباً يلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئاً؟! فانظروا الغيرة إلى أي حد وصلت بها؟! تدعو على نفسها بالموت، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر بذلك وعدد عليه الصلاة والسلام.
فالغيرة والضرر المدعى الذي يقع على المرأة يجعلنا نقول لها: إن كانت منصفة مخلصة لله جل وعلا فلتسمع لهذا الأمر الذي يكلف الله به عباده، فأي تكليف لا بد أن يكون فيه مشقة، لكن هو تحت إطار الاستطاعة، ولا يمكن أن يكون فوق الاستطاعة، فالله لا يكلف إلا بالاستطاعة وإن كان فيها كلفة وفيها مشقة.
وهنا الله جل وعلا أمر المرأة بأن ترضى بأمر التعدد، وأن الرجل يجوز له أن يعدد أكثر من امرأة، وهذه طبيعة الرجل، فالرجل يمكن أن يتجزأ عاطفته كما يمكن أن يتجزأ قوته حتى في الميل الجنسي بعكس المرأة إذا مالت لرجل في الغالب لا تتبع غيره، كما أنها لا تميل كثيراً، وهذه طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها، ولذلك كان من الواجب عليها أن ترضى بتكليف الله لها، فترضى بالتعدد، فإن علمت أن الله قد أمرها بهذا فتسمع وتطيع لله جل وعلا، كما ينبغي أن تنظر لأختها التي لو كانت هي في مكانتها، لتمنت أن تكون مثلما أرادت هي، وقالت: أؤثر بنفسي على أختي، ولعل الإيثار يقربني من ربي جل وعلا، وتشاركها هي في زوجها فيلدان من ينافح عن هذا الدين، وتقترب من ربها جل وعلا إن نوت رضا الله جل وعلا، وحتى لا تكون حجر عثرة لزوجها ليعف امرأة مسلمة تحتاج إلى رجل، كمن قتل زوجها في الجهاد، أو امرأة لم تتزوج قط، فهؤلاء النسوة من لهن؟ ومن سيكون خلفاً لزوجها الذي قتل في الجهاد؟ وهل هذا هو الإحسان مع من قتل شهيداً أن يترك أولاده وزوجته بلا عائل! وهذه المرأة قد تشتاق للرجل يوماً، وهذه طبيعة بشرية جبلية فمن لها إذاً؟! من لامرأة ملتزمة خبأت نفسها إرضاءً لله جل وعلا، فلا يراها أحد إلا أهلها، ولم يتقدم لها أحد؟ من لها إن لم يكن الملتزم الذي يريد الله ويرغب أن يعف المسلمة إرضاء لله جل وعلا؟! من للمرأة التي في خدرها أيتام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين)؟ من لها إن تركها الصالحون؟ وليس غير الصالحين إلا الذئاب فهل تترك فريسة لهم؟! فعلى النساء أن يتقين الله، وأن يراجعن أنفسهن، وأن يتعلمن أبواب الإيثار، ويتعلمن أبواب كمال الإيمان.
ولذا فالمرأة التي تقف حجر عثرة لرجل يقول: أحتسب لله بزواجي من امرأة أرغب في إعفافها من أجل رضاه، أن في إيمانها زخم؛ لأنها لو كانت وقفت موقف إنصاف من نفسها أمام ربها لقالت: لو كنت مكانها لتمنيت ما تمنت، فلا بد للمرأة أن تتقي الله وتراجع نفسها.
وختاماً أدعو كل رجل عنده يسار أن يتقي الله في نفسه، فينظر إلى امرأة مطلقة، أو امرأة قتل زوجها، أو امرأة في خدرها أيتام، فيسارع في نكاحها إرضاء للرب جل وعلا، أما إن كان دافعه الشهوة أو هوى فهذا يرجع أصلاً إليه؛ لأنه سيقع في المظلمة، أما إذا وقف مع نيته وعلم أنه ما يتقدم إلا لله جل وعلا فهذا الذي سيكون معه اليمن والبركة.
وأختم بقصة حقيقية واقعة مع أخ لي، وهو رجل كان يعيش وزوجته على فقر في بيت ضيق، فعلم بامرأة طلقها زوجها ظلماً؛ لأنها (عقيم) لا تلد ولا ذنب لها، وكان له إن أراد الولد أن يتزوج بأخرى ويدعها معه، فيفعل السنة ويتزوج الولود الودود ويبقي على الأولى، فقال الأخ الصالح في نفسه: من لها؟ فاستخار الله وتقدم لها، وهو يعلم أن المرأة عقيم، وتزوجها لله، وليس لديه مال ولا درهم ولا دينار، فلما تزوجها حملت وهي عقيم، وقد أقر الأطباء أنها عقيم لا تلد، لكن الجزاء من جنس العمل، فالرجل صدق الله بنيته، فصدقه الله، بل إنه عند الزواج بها ما كان يجد المكان الذي يسكنها فيه، ثم فتح الله عليه وفتح بيتين، ويعيش بفضل الله سبحانه وتعالى مكتفياً بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية! نسأل الله جل وعلا أن النساء يستفدن من هذه الكلمات، فيقفن مع أنفسهن ويراجعنها طلباً لرضا الله عز وجل، فإن وجدت المرأة في زوجها صدق النية، فينبغي أن تدفعه لما أراد، فقد يفتح له فيتزوج من تكون صالحة وتعينه على الطاعة، وتكون رفيقة لأختها في الجنة، في نعيم قد أخدمن الحور العين، فهن وصيفات لهن، والرجل صاحب الهمة العالية لا يرضى بامرأة واحدة فلا يرضيه إلا سبعون من الحور العين، نسأل الله أن يرزقنا ذلك.