أشار النبي صلى الله عليه وسلم لأول فضيلة وأول صفة نعت بها المرأة التي لا بد أن تكون خليلة وزوجة فقال: (فاظفر بذات الدين) يشير أن البركة واليمن واليسر والرضا في الدنيا قبل الآخرة مع ذات الدين، كما أن الغم والنكد والهم والشؤم مع غير ذات الدين، قال الله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) والمعنى: اظفر بذات الدين وإلا تربت يداك، أي: افتقرت يداك، وافتقر قلبك وافتقر جيبك وألم بك في الدنيا كل هم وغم؛ لأن ذات الدين هي التي ترتقي بك إلى ربك حيث تعضدك في طاعة الله جل وعلا، فإن رأتك تتقاعس عن الدين قالت: يا فلان! أراك كنت تقوم من الليل، لم لم تقم الليلة من الليل؟ كنت أراك تطالع كثيراً لم تتقاعس عن الاطلاع؟ لم لا تسمو إلى ربك جل وعلا؟ فتشد همتك حتى ترتقي بك إلى رضا الله جل وعلا.
أما الأخرى فتقول لك: لم لم تأتِ بالطعام؟ لم لم تأتِ بالسيارة؟ لم لم تأتِ بالدرهم والدينار؟ لم تركت العمل؟ لم لم ترتقِ في مكانك وأنت تعمل؟ أختي عندها بيت في المكان الفلاني وقد بنت بيتاً آخر في المكان الفلاني! فتعدد لك أمور الدنيا حتى ينشغل عقلك وقلبك بها.
أما ذات الدين فلابد أنك ستجدها معك في نفس الطريق التي تمشي به، وتسيرا إلى الله جل وعلا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين).
جاء أن سعيد بن المسيب دخل على ابنته وهي تقرأ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، فقالت: يا أبتاه! قد عرفنا حسنة الآخرة وهي الجنة فما حسنة الدنيا؟ فقال وهو أعلم التابعين على الإطلاق: المرأة الصالحة للرجل الصالح.
فحسنة الدنيا بتنصيص سعيد بن المسيب: المرأة الصالحة للرجل الصالح، إذ إنها تنشر في بيتك كل اليمن والبركة، وغيرها تأتيك بكل الوبال.
وكما أن الرجل ينبغي أن يختار ذات الدين فكذلك المرأة لا تتخير إلا صاحب الدين؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد) وصاحب الدين كفء لأي امرأة، وقال بعض العلماء: طالب العلم كفء لأي امرأة، ونعجب من بعض الملتزمين الذين إذا تقدم لهم شاب فلا يسألون إلا عن راتبه! وأين يسكن؟ وكيف ستعيش معه؟ ولذا نتسائل: كيف تتكلمون في الفرعيات وأنتم من الملتزمين؟! المفروض أن تستشعروا ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
وقد عرفنا من النساء من جاءها خاطب وله المال الوفير والمكانة والوجاهة والبيوت الواسعة فتركته وقالت: بينها وبين الله عقد أن لا تتزوج إلا طالب العلم ولو بشظف العيش من أجل الله جل وعلا، وقالت: أنا إنما فعلت ذلك من أجل الله، وكان الرجل قد رآها فذهل، فأراد أن يبذل لها كل ما تريد، وأغرى أباها بأنه سيعطيها من الذهب كذا ومن المهر كذا وطلب مقابلتها ليقنعها فعلمته الأدب، وقالت له: كم تحفظ من القرآن؟ ماذا عندك من السيرة؟ فبينت له دنو مكانته ثم تركته وتزوجت بطالب علم يعيش في شظف العيش، وقالت: هذه لله، وقامت ليلاً فقالت: ربي تزوجته لك.
فهذه لا ترى أجرها إلا عند ربها، فمثل هذه النساء جديرات بأن يتمسك بهن وهن من عنى النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
وقد ورد في سنن سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعاً بسند ضعيف يستأنس به: (امرأة أو أمة سوداء ذات دين خير من حسناء لا دين لها) فالمرأة السوداء الحبشية ذات الدين أفضل بكثير من المرأة الحسناء التي لا دين لها، فكان أول اعتبار في اختيار الزوجة أن تظفر بذات الدين وإلا تربت يداك.