كان الشافعي يعرف قدر مالك حيث قال: إذا ذكر الحديث فـ مالك.
وأحمد بن حنبل أروع ما يكون في التواضع ومعرفة الفضل لأهل الفضل، فكان ينهى الناس عن الشافعي؛ لأنه كان يظن أنه من أصحاب الرأي، فلما سمع عن الشافعي وعرف قوة علمه -بل إنه قد يسمى بناصر السنة- قال: فخرج علينا رجلاً طبيباً صيدلانياً هو الشافعي الناقل للسنة، ثم مشى ذات مرة خلف بغلته، فقالوا له: تنهانا عن الشافعي وتسير خلف البغلة؟! فقال: اسكتوا، والله لو لم يتكلم الشافعي وسرت خلف بغلته لتعلمت منه إما من لسان حاله، وإما من تدبره للمسائل.
ومن ذلك حديث: (يا أبا عمير ما فعل النغير؟)، فقد قضى الشافعي ليلته يفكر في هذا الحديث ويستنبط منه مسائل العلم.
الغرض المقصود أنهم كانوا يعرفوا للعلماء قدرهم، فلم يرتقوا إلا بهم، وعلموا أن النصر لا يأتي إلا من قبلهم؛ لأن سهم الليل لا يخطئ, والسهام والرماح الأخرى يمكن أن تخطئ، لذلك عرفوا للعلماء قدرهم وأنزلوهم منزلتهم, حتى إن بعض المفسرين قال في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] قال: هم العلماء ثم الأمراء, لأن الأمراء هم أولي الأمر على العامة، والعلماء هم أولي الأمر على الأمراء.
فلا بد من إنزال الناس منازلهم حتى ترتقي هذه الأمة.
والكلام عن العلماء كثير, لكني أردت فقط أن أذكر بأن إنزال الناس منازلهم ترتقي به الأمة، وهو الذي يثمر وينبت, وألمح بذلك أن أفضل الناس هم طلبة العلم, وهم على الجادة في الطريق, وقد اصطفاهم الله بفضله من بين الخلق أجمعين؛ لينظروا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويجعلكم الله جل وعلا بعد ذلك واسطة بين الخالق والمخلوق، فعضوا على ذلك بالنواجذ.
أسأل الله جل في وعلاه أن يجمعنا جميعاً في رضاه، ويجعلنا ممن يسيرون على درب أهل العلم؛ حتى نصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفوز بهذا الحديث العظيم: (إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.