تمسك الصحابة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا هو دأب الصالحين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودأب الأكارم والأماجد والسلف الصالح الذين كانوا يعضون بالنواجذ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا بحر العلوم الذي لا ساحل له، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)، ابن عباس حبر هذه الأمة، قام خطيباً في الناس في الحج يعلمهم تفسير كتاب الله جل في علاه، ويقول لهم: إن من السنة أن تتمتع بالعمرة إلى الحج، وكان ابن عباس يرى الوجوب، والجمهور على الاستحباب، والراجح: الاستحباب، فلما قال ذلك قام رجل فقال: يا ابن عباس! كيف تقول ذلك؟ وقد قال أبو بكر بعدم المتعة، وقال عمر بعدم المتعة.

فقال: توشك السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر.

فالنجاة النجاة والتمسك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويروي أبو هريرة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء مما مسته النار، وكان هذا في بادئ الأمر، وأصبح ذلك منسوخاً، وهناك اختلاف فقهي.

فقام ابن عباس يعترض على أبي هريرة، فقال لـ أبي هريرة: أنتوضأ من الحميم؟ فقال له أبو هريرة: يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال.

وكان ابن عمر رضي الله عنه الذي يتتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة، وكان يدافع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى على أبيه، فعندما سألوه عن التمتع في الحج قال: هي سنة، فقالوا له: أبوك يخالف ذلك، أي: يقول: بغير ما تقول، فقال: ما أمرنا باتباع غيره.

وهذا ليس نفياً مطلقاً لاتباع سنة عمر بن الخطاب وإنما هو مقيد بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن نأخذ بقوله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وأما عند المخالفة فإنما أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي واقعة لـ ابن عمر تكتب بماء الذهب مع ابنه عندما بين له فضل التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعارضه ابنه بالنظر، قال ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، فقال له ابنه: والذي نفسي بيده لنمنعهن، إذاً: يتخذنه دغلاً، أي: يجلسن يتحدثن في أمور الدنيا، ويغتبن، ويتكلمن في أمور لا تنفع ولا تضر، فنمنعهن من هذا فهو أفضل، وكان هذا نظر عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما قالت: (والله لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت النساء اليوم لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل).

فقال له الولد: والذي نفسي بيده لنمنعهن، فقال له ابن عمر: لعنك الله، وهذا كلمة ليست بالهينة، وإنما هي نارية، فمعناها الطرد من رحمة الله جل في علاه.

فقال: لعنة الله عليك، أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: نمنعهن! لا كلمتك أبداً.

فقيل: إنه ما كلمه حتى مات؛ حفاظاً على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً هذا ابن مسعود الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من أراد أن يأخذ القرآن غضاً طرياً فعليه بـ ابن أم عبد)، وابن مسعود كان على الكوفة ومعه أبو موسى الأشعري، فسئل ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه عن رجل مات وترك بنتاً وأختاً وبنت ابن كيف يورثوا؟ وقبل أن يسأل ابن مسعود رضي الله عنه، سئل عنها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، فنظر فيها وقال: للبنت النصف، وللأخت الباقي تعصيباً، وهذا التعصيب يسمى تعصيباً مع الغير.

فذهبوا إلى ابن مسعود فسألوه وقالوا: إن أبا موسى الأشعري قال: كيت وكيت في مسألة المواريث، فقال ابن مسعود: إن قلت بقوله فقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، أي: إنني إن خالفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضلال ولا يمكن أن يكون هداية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى البنت النصف، وأعطى بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وأعطى الباقي للأخت؛ تعصيباً مع الغير.

فالشاهد: أن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه لما رأى مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلالاً قال: قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، وهذا هو شأن الصالحين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عضوا بالنواجذ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم علموا أن النجاة لا تكون إلا باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلموا أن العبادة لا تقبل عند الله إلا باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015