السنة مبينة للقرآن

إن السنة مبينة لمجمل القرآن، وموضحة لمشكلة، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، فالله يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43]، فإن المفروض على العبد المسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يقبل الله من عبده صلاة إلا أن يأتي بهن كاملات: وهن ركعتان في الفجر، وأربع ركعات في الظهر، وثلاث ركعات في المغرب، وأربع ركعات في العصر، وأربع ركعات في العشاء، فهذا التفصيل لم تجده في كتاب الله ولكن بينته السنة عملاً بقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، إلى آخر الآيات.

وكذلك قال الله تعالى: {آتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما علمنا الصلاة قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولما قال: ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في أي الأموال يكون الزكاة، وعلمنا أنه لا بد من بلوغ النصاب، وأن يحول الحول حتى تجب الزكاة في هذا المال.

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نحج فقال: (خذوا عني مناسككم).

والله جل وعلا عندما قضى بأحكامه في الكتاب ترك التبيين لرسوله صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوضح المشكل من الكتاب، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، فقد أشكل على كثير من الصحابة هذا الأمر حتى إن عدي بن حاتم رضي الله عنه وأرضاه أخذ عقالاً -أي: حبلاً أسود حبلاً أبيض- فجعله تحت وسادته وأخذ يأكل ويشرب حتى يفرق بين الأسود من الأبيض، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بين له النبي صلى الله عليه وسلم ما أشكل عليه فقال: (سواد الليل وبياض النهار).

وأيضاً هناك عمومات في القرآن خصصتها السنة، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فهذا عام في كل الأولاد، ومع ذلك جاءت السنة تخصص الإرث على أولاد الأنبياء، فإن أولاد الأنبياء لا إرث لهم، فقد جاء في الحديث المختلف في إسناده والراجح أنه صحيح، ومعناه أيضاً صحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة).

وأيضاً من تخصيص هذه العمومات: أن الولد القاتل لا يرث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث القاتل)، فالولد الذي يقتل أباه من أجل الإرث لا يرث، وقد قرر العلماء أنه من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

ومطلقات القرآن أيضاً تبينها السنة، فقد قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]، وقد اختلف العلماء من أين تقطع اليد هل من الرسغ، أم المرفق، أم من العضد؟ فجاءت السنة مبينة أن يد السارق لا تقطع إلا من الرسغ، وهذه أيضاً من أحوال السنة مع القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015