وردت آثار كثيرة تدل على تخلق الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم والسلف الصالح بهذا الخلق الكريم، فعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً حد شفرة أمام شاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة، وقال: أتعذب الروح؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها؟ وعن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة، وقال: سقها -لا أم لك- إلى الموت سوقاً جميلاً.
وعن وهب بن كيسان أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى راعي غنم في مكان قبيح، وقد رأى ابن عمر مكاناً أمثل منه، فقال ابن عمر: ويحك يا راعي! حولها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل راع مسئول عن رعيته).
وعن معاوية بن قرة قال: كان لـ أبي الدرداء جمل يقال له: دمون.
فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطيق أكثر من ذلك.
فلما حضرته الوفاة قال: يا دمون! لا تخاصمني غداً عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق.
وعن أبي عثمان الثقفي قال: كان لـ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له، ويأتيهم بدرهم كل يوم، فجاء يوماً بدرهم ونصف فقال: ما بدا لك، فقال: نفقت السوق.
قال: لا، ولكن اتعبت البغل، أجمه -أي: أرحه- ثلاثة أيام.
فهذه بعض الآثار التي تدل على تخلق المسلمين بخلق الرحمة الذي غرسه فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتي مزيد بيان لمعنى قوله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، عند تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنبياء.