الحيوانات ممن شملتهم رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من مثل بالحيوان) أي: من شوهه فمثل به.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه: (قال رجل: يا رسول الله! إني لأذبح الشاة فأرحمها -أي: عندما أذبح الشاة أشعر برحمة تجاهها- فقال صلى الله عليه وسلم: والشاة إن رحمتها رحمك الله) فأقره على هذا الشعور بالرحمة.
وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة).
ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وآله وسلم ما صح عن عبد الله بن جعفر قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخل، فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى الجمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذفريه فسكن، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه).
وعن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (اركبوا هذه الدواب سالمة، وابتدعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي) يعني: اتركوها وخففوا عنها إذا لم تحتاجوا لركوبها، ولا تتخذوها كراسي، بل استعملوها فقط لما سخرت من أجله.
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم).
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه -أي: فقد شحمه ونقص وزنه وهزل حتى التصق ظهره ببطنه- فقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة) (وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله في هذه البهائم، واركبوها صحاحاً واركبوها سماناً.
كالمتسخط) أي: قال ذلك متسخطاً هذا الفعل الذي فعله صاحب هذه الدابة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا قبل هذا؟! أتريد أن تميتها موتتين؟!) يعني: أفلا حددت شفرتك بعيداً عنها؟! وفي بعض الروايات: (أتريد أن تميتها موتات؟! ألا حددت شفرتك قبل أن تدمعها؟!).
وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجة فرأينا حُمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش -يعني: جعلت ترفرف بأجنحتها حتى تقترب منهم- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها، ورأى صلى الله عليه وسلم قرية نمل قد أحرقناها فقال: من حرق هذه؟! قلنا: نحن.
قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم -أيضاً- قوله: (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) وخشاش الأرض الحشرات والهوام.
وقال صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب وخرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش -يعني: يلعق التراب من العطش- فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر).
وفي بعض الأحاديث -أيضاً-: (بينما كلب يطيف برَكِيَّة قد كاد يقتله العطش -الركية: هي البئر التي طويت- إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه فغفر الله لها به).