روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: مازلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا.
فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً.
ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله -يعني: حتى طلق امرأته- قال: فيقربه ويدنيه ويقول: نعم أنت) وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أفسد امرأة على زوجها فليس منا).
وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) (خبب) أي: أفسد الزوجة على زوجها.
أما تطبيق هذا الكلام على التلفاز وتوأمه الفيديو في تمزيق الحياة الزوجية فله وسائل متعددة: الوسيلة الأولى: أنه قد يدفع الزوجة دفعاً إلى أن تقارن بين بيتها المتواضع وبين تلك القصور الفارهة والبيوت الواسعة والفرش الوثيرة والثروات النفيسة والملابس الفخمة، وما أدراك ما الملابس عند أولئك النساء! ثم توازن بين مستواها المعيشي المحدود وبين ما تراه على شاشة التلفاز من خدم وحشم وما لذ وطاب من ألوان الطعام والشراب، فتتأفف من حالها، وتزدري نعمة الله عليها، ثم تجحد فضل زوجها عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه).
وقال صلى الله عليه وسلم للنساء يوماً: (إياكن وكفر المنعمين.
فقالت أسماء بنت زيد رضي الله عنها: يا رسول الله! وما كفر المنعمين؟ فقال: لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها -يعني: تبقى بدون زوج مدة طويلة عند أبويها- ثم يرزقها الله زوجاً ويرزقها منه ولداً، فتغضب الغضبة فتكفر، فتقول: ما رأيت منك خيراً قط) وهذا هو كفران العشير الذي تُوعدن عليه بالنار، فقد يدفعها ما تراه إلى أن تطالبه بما هو فوق طاقته فترهقه من أمره عسراً.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب ما تكلف امرأة الغني).
وتنسى المسكينة التي تتعرض لهذا الإغراء التلفزيوني، فيحصل نوع من التقمص أو الاندماج مع الشيء الذي تراه، بحيث تصدق في الحقيقة، وهي لا تتفطن إلى أن هذا عبارة عن خيال لا ظل له من الحقيقة، فما هو إلا تمثيل، وما هذه الفخامة والأبهة إلا صالات يستأجرها المنتجون لتصوير الأفلام والمسلسلات فيها، وليست بيوتاً حقيقية، وما هي إلا أثاثات استأجروها من محلات الأثاث أو الملابس وكذا.
الوسيلة الثانية في إفساد ما بين الرجل وامرأته: أن الرجل إذا رأى النساء كلهن محجبات مستورات ولم ير في التلفزيون ولا في الشارع ولا في العمل النسوة المتفرغات للتبرج بهذه الصورة الشنيعة فلاشك أنه سيقنع بزوجته ويرضى بما كتب الله له، فإذا كان يتطلع باستمرار إلى من هي أجمل فهذا -بلا شك- يزهده في امرأته ويجعله لا يغض البصر عما حرم الله إن لم يكن عنده خوف وورع من الله سبحانه وتعالى.
الوسيلة الثالثة من وسائل الإفساد بين الرجل وامرأته: إبراز الزوجة التلفزيونية في صورة هي غاية في الرقة واللطف في معاملة زوجها، وكذلك إبراز هذا الزوج التلفزيوني في صورة العاشق الموله بزوجته التلفزيونية، المتزلف لديها بكل ما يرضيها، فتنبعث مشاعر التألم والحسرة في قلب الزوج المشاهد، وهو يرى زوجته منهمكة في خدمة البيت والأولاد، وتثور مشاعر الحرمان في قلب الزوجة المشاهدة وهي ترى زوجها المكافح منهمكاً في السعي وراء الرزق الحلال، مطحوناً في أتون مسئوليته نحو بيته وأولاده، وقد شغل حتى عن نفسه، وينسى الاثنان أن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلاً خيالياً، وأن هؤلاء الممثلين والممثلات متفرغون لمهنة التمثيل، ومحترفون لهذا النوع من التزوير، وأنهم في الحقيقة وفي الأعم الأغلب لا يعرفون حياة الأسرة ولا قيمها، وإنما يتقنون تمثيلها فقط، ولا يخفى على أحد أن هذا الذي يسمى بالوسط الفني يعتبر أكثر طبقات المجتمع شقاء وتفككاً وتعرضاً للأمراض النفسية والجسمية، فضحكات أهله صناعة، وبسماتهم أوامر من المخرجين، وأزياؤهم ملك لشركات الإنتاج.
الوسيلة الرابعة من وسائل إفساد ما بين المرء وزوجه: أن برامج التلفاز والفيديو يقوم بأدائها رجال ونساء، وهم بواسطة ما يسمى بالمكياج يبدون في أشد مظاهر الفتنة، ولابد للمشاهد الرجل من أن يتأثر بدرجة ما بالمذيعة أو الممثلة أو المطربة، ولابد للمرأة التي تشاهد الفيديو أو التلفزيون من التأثر بدرجة ما بنفس الطريقة، ومن أراد أن ينفي هذا الأمر فإنما هو مكابر مغالط، أو أنه غير سوي جسدياً أو نفسياً أو عقلياً، ومثل هؤلاء لا يعول عليهم ولا يعتد بآرائهم.
يقول بعض الفضلاء في صيف إحدى السنوات: عندما كنت أقيم في إحدى المدن كان يزورنا أحد الأصدقاء لمشاهدة التلفزيون وهو متزوج وله أولاد، وفي إحدى المرات كان يرنو إلى المذيعة التي كانت تختم البرامج، فحدق فيها طويلاً واتجه إلينا قائلاً: بالله عليكم أهذه -يعني: زوجته- امرأة؟! فهذا أثر طبيعي لا افتراء فيه، وهذا واقع.
وقد حكى الشيخ محمد الزمزمي في كتابه: (المرأة العصرية) أن امرأة لما خرجت من السينما قالت لمن معها من النساء: كيف يمكنني أن أرجع إلى ذلك الوجه الكئيب -تقصد زوجها- بعد رؤية هذه الوجوه التي نراها في شاشة السينما؟! إلى غير ذلك من الكلام الذي ذكرته.