إنّ العلمانيين والقائلين بالحرية الدينية وحقوق الإنسان لا ينكرون على الناس إذا لم يؤمنوا بالله، ولا برسله، ولا باليوم الآخر, وترفض العلمانية أيضاً اتخاذ العقيدة أساساً للولاء والبراء، فيقدمون رابطة الدم والعنصر والتراب والطين على رابطة العقيدة.
وأما المسلم في دار الإسلام فإنه لا يكتفي بأن تكون عقيدته أمراً هيناً، أو أمر مباحاً، بل إنّ عقيدته هي روح الحياة, وهي جوهر الوجود, وهي محور التربية والثقافة والإعلام والتشريع, ففي الإسلام يستقبل الطفل الحياة بالتوحيد, وذلك بأن يؤذن في أذنه ليكون أول ما يطرق سمعه ذكر الله، والأذان إلى الصلاة، وهذا مع أنه يولد على فطرة الإسلام، ثم يودع الحياة بالتوحيد، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة).
وفيما بين المولد والموت فإنه يعيش بالتوحيد وللتوحيد التزاماً ودعوة وجهاداً، فهذه هي الحرية الحقيقية.
والعلمانية ترفض نزول المسلمين على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، فتريد العلمانية أن تصبغ المجتمع بهذه العقيدة، وأن تسمح للإسلام في بعض الأركان والزوايا حتى يتنفس من خلالها، بشرط أن تؤمن ببعض الكتاب وأن تكفر ببعض كما ذكرنا سابقاً, لذا فإنّ الإسلام لا يقبل أن يكون في قلب داره وعز سلطانه شيء مخير فيه, فلا غبار على من آمن به، ولا حرج على من تركه, فالدين لله، والوطن للجميع بزعمهم، ونحن نقول كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:189]، وهذه القسمة لا نعرفها، فكل ما على الأرض، وكل من على الأرض ملك لله تبارك وتعالى.
إنّ المسلم في الواقع العلماني يعاني من التناقض بين عقيدته وبين هذا الواقع, فعقيدته تشرَّق وواقعه يغرَّب، وعقيدته تحرم والعلمانية تبيح, وعقيدته تلزم والعلمانية تعارض.