ذكرنا سابقاً أنّ العلمانية ترفع ما وضعه الله، وتقرب من أقصاه الله تبارك وتعالى، وهي باعتبار معناها: الدنيوية، أو اللادينية، أو رد الدين وتحكيمه في الحياة فإنها تتصادم كثيراً مع القرآن، فالله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]، والعلمانية تحطم مبدأ الولاء والبراء, فتقول بحرية العقيدة: اشرك بالله، سب الله، اشتم الله، سب أنبياء الله، فهذه حرية شخصية في دين العلمانيين.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) والعلمانية تقول بحرية العقيدة, وهي ردة عن دين الإسلام, والله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] والعلمانية تقول: كل إنسان حر، فإذا شاء أن يرتكب المعاصي فله ذلك، ولا يتدخل الدين في خصائص الناس.
إنّ جوهر العلمانية الاهتمام بالحياة الدنيا, وإهمال الحياة الآخرة تماماً, فأصل معنى العلمانية: الدنيوية, فالدنيا التي يحقرها الله سبحانه وتعالى ويذمها في القرآن ترفعها العلمانية، وإذا تمادحوا فإنهم يتمادحون بالحضارة بالعمارات بالمباني الشاهقة بزينة الدنيا بالمتاع بالطعام بالشهوات، فهذا هو الذي يفتخرون به فقط, بينما يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة، ثم راح وتركها)، ويقول الله في الآخرة: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَاةُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64]، ويقول عليه الصلاة والسلام (من كان همه الآخرة جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة, ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له).
أما العلمانية فالدنيا عندهم هي الوطن، وهي القرار، وليست مجرد قنطرة نعبرها إلى الآخرة, لذلك فإنهم ينطبق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7 - 8]، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:221]، وهم الذين قال فيهم: {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر:83]، وهم الذين قال فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] أي نعم.