من أبرز صفات الدجال وأبرز علامات دجله أنه يدعي الربوبية، ويأتي من الأعمال الخوارق ما يروج به باطله، حتى إن الرجل يأتيه ظاناً أن أمره لن يخفى عليه، وأن باطله لن يروج عليه؛ فعندما يرى ما عنده من مخاريق يتبعه! والحقيقة أن هذه عادة الفتن دائماً، فالإنسان إذا تساهل وعرض نفسه للفتن فمهما كان واثقاً من نفسه فإنه ربما وهن وضعف وانهزم أمامها، فالبطل ليس الذي يتعرض للفتن ثم يثبت، لكن البطل هو الذي لا يعرض نفسه أصلاً للفتن، ولا يعرض نفسه للامتحان؛ لأنه قد ينجح وقد يفشل، أما إذا لم يتعرض فإن السلامة لا يعدلها شيء.
في فتنة المسيح الدجال يأتيه الرجل وهو واثق من نفسه، ويقطع يقيناً بأن هذا دجال كاذب مبطل، ثم إذا أتاه ورأى وعاين ما معه من المخاريق والخوارق والأمور العجيبة ينهار ويؤمن بـ الدجال والعياذ بالله، ويكفر بالله تبارك وتعالى.
فـ الدجال أشد فتنة سوف تقع على ظهر هذه الأرض، ويقدره الله -بإذنه الكوني القدري- على بعض الخوارق فتنة وامتحاناً وتمحيصاً للناس ليميز الله الخبيث من الطيب.
الكثير من المسلمين في هذا الزمان قد يفتنون ببعض الناس لمجرد إتيانهم ببعض الأمور الخارقة للعادة أو حتى غير الخارقة للعادة لكنها تثير الإعجاب، فلا يزنون هذا الشخص وأفكاره ومنهجه بميزان الكتاب والسنة، وإنما بهذه الأشياء، يسمعون مثلاً عن ساحر أو مستعين بالجن يخترق سور الصين الذي يسمونه بالعظيم، ويمر من خلاله فيجدونه انتقل إلى الجهة الأخرى -وهذا يحصل بمخاريق وحيل- فيفتنون بذلك.
وعندما خرج علينا دجال هذا العصر الخميني ببعض المواقف التي بعد عهد الناس بأمثالها من رؤساء المسلمين من قرون عديدة؛ انبهروا وفتنوا به، ورفعوا الشعار المفضل عندهم دائماً: سوف نمشي وراءك ونتبعك، ويتمحلون الأدلة لأجل تزييف هذا الباطل، ولا يزنون الأمر بالميزان الشرعي، ما عقيدة هذا الرجل؟ ما حقيقة منهجه؟ ما موقفه الحقيقي من الإسلام؟ فينخدعون بمثل هذه الأشياء وهي ليست من الخوارق، فقيسوا ما أتى به هؤلاء الناس بالنسبة إلى ما سوف يأتي به الدجال، فـ الدجال معه من الخوارق ما هو أعظم وأشد من هذه الأمور التي تبهركم، فهو الدجال الأكبر، فلا تغتر بأي رجل صوفي أو مخرف أو ضال أو مبتدع أو ساحر أو كاهن أو حتى رجل ظاهره الصلاح لكن يخالف منهجه الكتاب والسنة.
صدر كتاب حديثاً اسمه الحرب العالمية الثالثة بين الإسلام والغرب، ومؤلفه إما سني مغفل وإما شيعي خبيث يستر اسمه بالاسم المستعار الذي وضعه على غلاف الكتاب، فالكتاب فيه دجل وكذب وافتراء وتزيين للباطل، ومنذ الصفحة الأولى تكتشف أن هذا رجل شيعي أو مغفل ممن ينتسب إلى السنة اسماً وهو لا يفقه حقيقة دينه، فكل الكتاب عبارة عن تمجيد للخميني، وأن الخميني حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول تنبأ بـ الخميني، وأن بعد الخميني سيأتي رجل يملك سنتين، وبعد ذلك سيخرج المهدي.
فالشاهد أننا نعاني بين وقت وآخر من فتن يفتن بها بعض الناس، بل عامة المسلمين إذا حضروا جنازة مبتدع أو ضال يقولون مثلاً: الجنازة كانت خفيفة تجري أو حصل له كذا من الخوارق، وقد تحصل خوارق، ولكن الخوارق في حد ذاتها ليست دليلاً على الصلاح، فلا تغتر برجل ولو رأيته يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتى تزنه بميزان الكتاب والسنة، فإن رأيته مستقيماً ورأيت منه الخارقة، ولم تر فيها ما يعارض الكتاب والسنة؛ فلا بأس أن تكون كرامة، لكن إن كان هناك مجرد حصول خوارق مثل خوارق الهنود الهنادكة وغيرهم فما أكثر من يقدر على فعل أشياء من هذه الخوارق! أحد الإخوة حدثني أنه في صباه ذهب إلى الملاهي التي كانت موجودة في محطة الرملة، وهذا الأخ جلس في مكان بعيد بحيث لا يقع تحت تأثير سحر عيون الناس الذين يشاهدون، فأتى الساحر بامرأة نومها تنويماً مغناطيسياً، ثم أظهرها أنها نائمة في الهواء معلقة، فالتقط صاحبنا صورة فوتوغرافية فجأة لهذه المرأة، فبعد تحميض الصورة ظهر في هذه الصورة رجال يحملونها، لكن الناس لم يكونوا يرون هؤلاء الرجال! فلهم حيل وخوارق معروفة.
ولعلكم سمعتم عن الرجل الأمريكي الذي يفعل مثل هذه الأشياء الغريبة، وقال: إنه سيأتي مصر ويخترق الهرم الأكبر، فهذه الأشياء لا تهز الإنسان الذي عنده إيمان ويقين، فإن الدجال سيفعل أضعاف ما يفعل هؤلاء، ويقدره الله -بإذنه الكوني القدري- على خوارق تذهب الألباب، وتطير العقول، ولا يثبت إلا من ثبته الله، فلابد أن نستصحب هذا الأمر دائماً أمام من يحتج بأن عادة خارقة حصلت للشيخ الفلاني، حتى القساوسة يفعلون هذه الأشياء، مثل ما يصنعونه بين وقت وآخر في كنيسة الزيتون في القاهرة، ويفرح النصارى لذلك، وهذه حرفة يستخدمونها منذ عهد قديم للدجل والتلبيس على أتباعهم، ولتثبيت أقدامهم على دينهم المهزوز والمهزول والمحرف، والمؤمن لو أتاه جميع أهل الأرض بألف خارقة مما فيها تزيين دين النصارى فهو يعلم أنهم كاذبون قطعاً، فهؤلاء كذابون، لكن يعملون حيلاً يتقنونها من أجل خداع الناس، وربما استعانوا بالسحر أو الجن أو غير ذلك من الحيل كحيل الحاوي الظريف ليفتنوا الناس عن دينهم، فأنت على عقيدة التوحيد لا تهتز لخوارق العادات؛ لأن الخارقة في حد ذاتها ليست دليلاً من دلائل الصلاح أو التقوى، فهذا هو الدرس المستفاد مما يكون مع الدجال من الخوارق، وإذا قست أحوال هؤلاء بأحوال الدجال فسوف تجد أن الدجال أقدر منهم على ذلك بإقدار الله إياه فتنة وابتلاء للعباد، فليحذر الإنسان أن ينخدع بهذه الأشياء، ولا يحيد أبداً عن ميزانه الدقيق لكل الأمور.
الدجال يأتي بأعمال خارقة يروج بها باطله، حتى إن الرجل يأتيه ظاناً أن أمره لن يخفى عليه، وأن باطله لن يروج عليه، فعندما يرى ما عنده من مخاريق يتبعه، ففي سنن أبي داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع ب الدجال فلينأ عنه) يعني: إن سمع أنه في بلد فليهرب إلى بلد أبعد، وإذا لم يستطع فليصعد إلى الجبال، وليختبئ في الجبال، ولا يدفعك الفضول فتقول: أنا عندي إيمان وعندي يقين، فسوف أذهب لأراه، فإني لا أشك أنه دجال، فقد نصح النبي عليه الصلاة والسلام أمته بهذه النصيحة العظمى: (من سمع بـ الدجال فلينأ عنه)، وهذه هي طريقة المؤمن في الفرار من الفتن، لا يتعرض لها، وأي فتنة إذا وجد المسلم له سبيلاً ليسلم منها فليسلكه، سواء فتنة مجالسة أهل البدع والضلال، أو الجلوس أمام الظالمين والفاسقين والنظر إلى صورهم، فهذا يحدث تأثيراً في القلب، ويضعف القلب، والنظر إلى الفساق في الأجهزة المعروفة له تأثير سيء على القلب، فيمرضه، ويضعف الإيمان واليقين فيه.
قال عليه الصلاة والسلام: (من سمع بـ الدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات).
من نظر في أمر الدجال نظر معتبر علم يقيناً أنه مبطل، وأن صفات الربوبية غير متحققة فيه، فهو بشر مسكين عاجز على الرغم مما يجري على يديه، يأكل ويشرب وينام ويبول ويتغوط، ومن كانت هذه حاله كيف يكون إلهاً معبوداً ورباً للكائنات؟! ومع وضوح ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا كثيراً عن صفاته وأحواله كي يعرفه المؤمنون الذين يخرج في عصرهم، وكي يستطيعوا مواجهته، ولا يغتروا بباطله، وكل هذه الصفات تبطل مذهب الضالين المبتدعين الذين يكذبون بأحاديث الدجال، مع أنها متواترة، ويحاولون الهروب منها، كان المعتزلة في الماضي حين لا تعجبهم بعض الأحاديث يؤولونها ويحرفون معانيها، والآن اجترأ المبتدعون أكثر، فما أهون عليهم أن يكذبوا بالأحاديث رأساً! أما المبتدعون الأوائل فما كانوا يقوون على التكذيب، وإنما كانوا يؤولون ويحرفون المعاني.