حب النبي صلى الله عليه وسلم لجليبيب رضي الله عنه

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراًًً ونذيراًَ بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، اللهم! صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أما بعد: فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزىً له فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم.

فلاناً وفلاناً وفلاناً.

ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم.

فلاناً وفلاناً وفلاناً.

ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا.

قال: لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه.

فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه، فقال: قتل سبعة ثم قتلوه! هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه.

قال: فوضعه على ساعديه -ليس له سرير إلا ساعدا النبي صلى عليه وسلم- قال: فحُفر له ووُضع في قبره.

ولم يذكر غسلاً) رواه مسلم في فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والحديث يرويه أبو برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزىً له)، يعني: كان في سفر غزو.

ويفهم من ذلك أنه كان في هذا السفر ومعه جليبيب رضي الله تعالى عنه.

(فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم.

فلاناًً وفلاناً وفلاناً.

ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم.

فلاناً وفلاناًَ وفلاناً.

ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا.

قال: لكني أفقد جليبيباً، فاطلبوه).

وجليبيب اسم لهذا الصحابي الجليل، وجليبيب تصغير جلباب، وقوله: (فطلب في القتلى)، أي: بحث عنه في القتلى: (فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه) أي: سبعة من المشركين قتلهم وحده رضي الله تعالى عنه، ثم بعد ذلك كأنه كان فيهم بقية روح فاجتمعوا عليه حتى قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (قتل سبعه ثم قتلوه! هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه) والمقصود بهذا التعبير المبالغة في اتحاد طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق جليبيب رضي الله تعالى عنه، واتفاقهما في طاعة الله تعالى في مقابلة قوله في الجهة الأخرى في بعض المعاصي والذنوب: من فعل كذا فليس مني كما في قوله -مثلاً-: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) أما هنا فمبالغة في بيان شدة انتمائه إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (هذا مني وأنا منه) وكأنه قطعة من جسده أو بضعة من لحمه، قال: (فوضعه على ساعديه) نال جليبيب هذا الشرف، أن حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه الشريفتين: (ليس له -أي: ليس لـ جليبيب - سرير إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فحُفر له ووُضع في قبره)، وفي رواية: (ثم وضعه في قبره ولم يذكر غسلاً) لأن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015