شروط التوبة

الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب فوراً بلا تأجيل، بحيث يكون الانكفاف عن المعصية لله ولوجه الله تبارك وتعالى؛ لأن بعض الناس قد يترك الذنب لعدم القدرة عليه، أو يتركه خوفاً من كلام الناس، أو خوفاً على سمعته وجاهه، أو حرصاً على وظيفة، أو يترك الذنوب بنية حفظ صحته وقوته، أو خشية من الأمراض لا لوجه الله، فهذه لا تسمى توبة ولا يثاب عليها، أو يتركها لأنه صار مفلساً، أو يترك -مثلاً- أخذ الرشوة لأنه يخشى أن يكون هذا الشخص الذي سيعطيه الرشوة من قسم مكافحة الكسب المحرم.

فهو لا يتركها لأنها حرام ولا يتركها لوجه الله، لكن يخشى أن يكون هذا مسلطاً عليه.

إذاً: فأول هذه الشروط الإقلاع عن الذنب فوراً خشية من الله تعالى لا لسبب آخر.

الشرط الثاني: الندم على ما فات، فلابد من أن يندم على ما مضى، أما أن يتذكر ما مضى من المعاصي بفرح وسرور وبدون أي شائبة من الندم فليست هذه توبة.

فالندم توبة، فالعاجز المتمني بالقول مثل الفاعل، كما جاء في الحديث في شأن الرجل الذي يقول: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما يعمل فلان، فقال عليه الصلاة والسلام:: (فهما في الوزر سواء).

الشرط الثالث: العزم على عدم العودة، فيعزم عزماً أكيداً على أن لا يعود.

الشرط الرابع: إرجاع حقوق من ظلمهم، أو طلب الإبراء منهم، يقول عليه الصلاة والسلام: (من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون ثم دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات).

الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل حدوث الموت والغرغرة، يقول عليه الصلاة والسلام: (من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه).

وقال عليه الصلاة والسلام: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) ومن ثم استحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة التوبة، فصح فيها الحديث: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم ويتطهر ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين -في بعض الروايات: لا يسهو فيهما، وفي رواية أخرى: لا يحدث فيهما نفسه، وفي لفظ آخر: يحسن فيهما الذكر والخشوع- ثم يستغفر الله إلا غفر الله له -وفي رواية: إلا وجبت له الجنة-، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]).

وهناك حديث -أيضاً- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يناسب المقام: (جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدعم على عصاً حتى قام بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة -يعني: لا صغيرة ولا كبيرة- إلا أتاها -وفي رواية: إلا اقتطعها بيمينه- لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم -يعني: لأهلكتهم- فهل لذلك من توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

قال: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن.

فقال: وغدراتي وفجراتي! قال: نعم.

قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

فلم يزل يكبر حتى توارى) فرحاً بهذه البشرى منه صلى الله عليه وآله وسلم.

فلنبشر جميعاً بتوبة الله عز وجل إذا عزمنا على ذلك والتزمنا بشروط هذه التوبة، ولنهيئ أنفسنا ولنستغفر من الآن بكل ما أمكننا في كيفية استقبال هذا الشهر الكريم؟! وكيف نعمره بطاعة الله، وكيف نصل إلى مرحلة بحيث إذا انتهى رمضان وأخبرت أنك ستموت غداً، تقول: ما بقي شيء أستطيع أن أعمله، قد فعلت كل ما في وسعي.

ولنعلم أنه بعدما يخرج رمضان وينقضي يذهب كل التعب والنصب والسهر والعطش والجوع ويبقى الأجر، أما أصحاب اللهو فيذهب اللهو ويثبت عليهم الوزر، والعياذ بالله.

فالمقصود أنه ينبغي أن نذكر لهذا وأن نستعد له ونعد له العدة؛ حتى لا نفعل كما يفعل بعض الناس حين يندم على فوات الفرصة ويقول: إن شاء الله تعالى في السنة القادمة سيكون رمضان شهر طاعة وعبادة، وبالنسبة لي سأفعل كذا وكذا.

ويسوف.

نقول: الأماني هي بضاعة المفاليس والحمقى، لكن نحن الآن على وشك الدخول في شهر رمضان، وهب أن الأيام التي مضت كانت رمضان وكنت مقصراً فيها، فانو من الآن أنه إذا دخل رمضان بعد أيام قلائل فسوف تستعد له أتم الاستعداد.

اللهم! أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وبأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015