إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عند افتتاح الكلام -كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- بعبارة: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه الكلمة نقولها أحياناً ونحن نفقد معناها! فينبغي عند دراسة أي قضية أو أي موضوع أن نستحضر هذه العبارة العظيمة: (خير الهُدى) أو (خير الهَدي) هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حتى نحسن الرجوع إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وينبغي أن نتخلص ابتداءً من كل ما وصل إلى قلوبنا وأسماعنا وأبصارنا من آثار دعاية الذين لا يبالون بحكم الشرع، ولا يرفعون به رأساً، اللهم إلا إذا وافق أهوائهم! وكذلك -حتى يكون البحث منصفاً وعلمياً- يجب أن نتحرر من الضغوط الواقعة التي نعيشها، والتي تلحّ على عقولنا كي تنحصر في مجرىً معين أُريدَ لها أن تنحصر فيه، فينبغي أن نفكر بحرية مطلقة عن قيود هذه الأزمات الطاحنة التي نعيشها جميعاً، ونبحث أولاً عن حكم الشرع، ثم ننظر بعد ذلك في الاستثناءات، أو ما يتغير حسب الأحوال، مثل: تنظيم الأسرة، أو تنظيم النسل، أو ضبط النسل، أو تحديد النسل، وكلها ألفاظ شبه مترادفة، ومؤداها كلها: (تقليل النسل) كما يقصد الذين يكتبون فيها، والذين يقومون بالعمل في تنفيذها والدعاية لها وترويجها؛ حيث يرددون أن النسل يتزايد ويتكاثر، وقد ضاقت الموارد الطبيعية، وأصبح ما تنتجه تلك الموارد لا يتكافأ مع الزيادة المستمرة في السكان بنسبة عالية! فالحل هو وقف ذلك النمو المتزايد في نظر القوم، وذلك بجعل النسل على قدر ما يجيء من الموارد الطبيعية، ذلك قولهم بأفواههم، وتلك مقالاتهم بأقلامهم، وتشارك في هذه الحملة للترويج لهذه الدعوى الكنسية جمعيات أُنشئت أصلاً لأغراض خيرية وبعض الرعايات الاجتماعية، وأصبحت توزع حبوب منع الحمل.
ووسائل تقليل النسل تلاقي اهتماماً ودعاية صحفية على كل الأصعدة، سواء على منبر الإذاعة، أو التلفاز، أو الصحف؛ بدعوى قلة الموارد وتزايد السكان، وباسم جواز ذلك شرعاً، ولو أنهم تكلموا في هذه القضية بغير اسم الشرع لكان الأمر أهون، أما أن يتحكموا في الشرع بدل أن يتحاكموا إليه فهذا ما لا ينبغي.
ففي إطار الكتاب والسنة نبحث هذه القضية، ونبحث عن حكم الشرع فيها، ونتأمل سوياً هذه الحقيقة وهذا المعنى القرآني الذي جعله الله عز وجل أحد مقاصد البعثة المحمدية بقوله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55].
فهذه هي سبيل المجرمين الذين يريدون بنا الشرّ، ويريدون أن يحطموا مقومات القوة في الأمة الإسلامية، فهل لهذا الموضوع صلة بقضية كشف سبيل المجرمين؟ نحن لا نستطيع أن ننكر أن هذا العصر هو عصر الدعاية وعصر الإعلام، حيث إن حفنة قليلة من الإعلاميين تتلون عقائدهم وأفكارهم بألوان شتى، لكنهم من خلال هذه المواقع الحساسة يستطيعون أن يصبغوا الأمور بالصبغة التي يريدون، وأن يلبسوا الحق بالباطل، ولهم في ذلك أساليب كثيرة لا نستطيع أن نتوسع الآن في ذكرها، لكن نشير إشارة عابرة إلى أنهم يدندنون دائماً حول أن الحل الوحيد لقلة الموارد هو (تحديد النسل).
وهذا ليس هو الحل الوحيد، بل هناك حلول كثيرة واقعية، وهناك ثروات كامنة وعظيمة جداً سواء في بلادنا أو غيرها من بلاد المسلمين، ثم هم يتحكمون بطريقة التأثير على الناس عن طريق الأفلام أو التمثيليات أو القصص، وهذا يرجع إلى الخلفية الفكرية للشخص الذي يكتب هذه القصة، ويقوم على أمرها؛ لأنه يريد أن يخدم هدفاً معيناً، فهو يؤلف ويخترع، ويكذب ويختلق قصة معينة، مؤداها أن يصل إلى نتيجة معينة، وهي أن يبغّض الناس في الأولاد، وأن يفسد فيهم هذه الفطرة التي فطرهم الله عليها من حب الذرية، وحب الأبناء، وحب الكثرة العددية للذرية.
وسنفصل في كثير من القضايا، سواء قضية تعدد الزوجات، أو قضية تحديد النسل، أو التشنيع على أحكام الإسلام في الطلاق، فهو يؤلف قصة معينة، ويستطيع أن يكذب كيفما يشاء؛ لأنه ليس عنده خوف من الله، فمثلاً: يؤلف قصة رجل كأنه صاحب لحية، ويصلي في المساجد -بحيث يربطه بالدين بصورة أو بأخرى- ثم يبين أن هذا الرجل فظ غليظ، وربما يظهر أن هذا الرجل في الحقيقة رجل فاجر! ليس كما يظهر، وهو يعامل نساءه وبناته بغلظة، وجفاء وجهل، إلى آخر هذه الأشياء المكذوبة! فهو الذي يرسم هذه الصورة من مخيلته، لكن المشاهد أو المستمع أو القارئ يكون -غالباً- مستسلماً للجهاز أو لهذه المشاهد فلا يفكر في المقاومة، ويأخذ الأمر بدون مبالاة، وكأنه نوع من التسلية، وما أُخذ بدون مبالاة يكون تأثيره أشد مما يؤخذ بمبالاة! ومع التراكم تستقر العقيدة الجديدة في قلوب الناس.
وفي بعض الحالات تجد امرأة -مثلاً- تسأل عن نتيجة التحليل الذي قامت بإجرائه من أجل أن تعرف هل هي حامل أم لا؟ فتجد أن هذه المرأة إذا علمت أنها حملت فكأن مصيبة كبرى وقعت بها؛ نتيجة لما حصل من الفساد في الفطرة والانحراف فيها تجاه هذه المسلَّمة الفطرية.
ومما يعتمدون عليه أيضاً: التهويل، فيذكرون أن سنة كذا سيحصل كذا، وبعد ثلاثين سنة لن يبقى كذا، وهذا كله تهويل.
وجاءتهم هذه الساعة التي أهدتها إليهم الجهات الاستعمارية حتى ترن فوق رءوسهم، وتنبههم أن كل دقيقة أو كل ساعة ولد كذا مولود في مصر! حتى تخفف هذه الرهبة من قوة المسلمين العددية؛ لذا جاءوا بمسألة التهويل بالإحصائيات والتوقعات الكاذبة، وماذا يقوله الباحثون المغرضون منهم، كل هذه من الأساليب الخبيثة التي كثيراً ما خيبتها وقائع التاريخ في أمثلة كثيرة.