ونختم بالأحاديث التي تثبت الحسد وكلها أحاديث صحيحة، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيصيب أمتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله! وما داء الأمم؟ قال: الأشر والبطر، والتكاثر والتناجش في الدنيا، والتباغض والتحاسد؛ حتى يكون البغي).
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (العين حق) رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، يعني: أن الضرر الحاصل عن العين وجودي أكثري لا ينكره إلا معاند، فأمر العين مجرب محسوس، وهذا هو المقصود بقوله: (العين حق).
وقال صلى الله عليه وسلم: (العين حق تستنزل الحالق) حديث حسن.
والمقصود: أن الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه ووجوده، وقوله: (تستنزل الحالق) أي: الجبل العالي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا) فهذا ضرب المثل بما لا يقع؛ لأنه لا يسبق القدر شيء، فقوله: (ولو كان شيء سابق القدر) هذا مبالغة في التمثيل في تحقيق إصابة العين، يعني: كان شيء سابق القدر في إفناء شيء وزواله قبل أجله وأوانه المقدر، لسبقته العين، لكن العين لا تسبق القدر، وهذا مجرد مثل؛ حتى يبين حقيقة هذه الإصابة، وهذا الشر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا) هذا الخطاب لمن يتهم بالعين، وسيأتي ذلك -إن شاء الله- في علاج الحسد والكلام فيه.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العين تدخل الرجل القبر، والجمل القدر).
أي: يبلغ من تأثيرها أحياناً أنها قد تقتل الرجل فيدفن في القبر، بسبب هذا الحسد، يعني: إذا أصابت العين الجمل مات، أو أشرف على الموت فيذبحه مالكه، ليدركه قبل أن يموت، فيطبخ في القدر، فالمقصود: أنه يكون مصيره القدر في الحالة التي يطبخ فيها بسبب العين.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتولع الرجل بإذن الله)، وكما قلنا: هذا شر كسائر الشرور في الدنيا، مثل المرض، والسحر، ومثل أي نوع من أنواع الشرور التي تقع بإذن الله بأسباب تؤدي إليها وموانع تمنعها.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقاً ثم يتردى منه) والحالق هو: الجبل العالي، ويتردى منه بفعل العين.
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ -يعني: أرقيهم؟ - فقال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق).
وعن أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة-يعني: تغير وسواد- فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة) يعني: أصابتها عين.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت صبي يبكي فقال: ما لصبيكم هذا يبكي؟! فهلا استرقيتم له من العين؟).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج -يعني: الفوائد من جلب نفع أو دفع ضرر- بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود).
فإن قيل: ما هي العلاقة بين هذا وبين قول الله عز وجل: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]؟ ف
صلى الله عليه وسلم العلاقة أن الأمر بالكتمان هذا قبل حدوث النعمة، أو يتحدث بها إذا أمن الحسد.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) حسنه الحافظ.
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق).
وهذا الحديث فيه فائدة وهي: أن الإنسان ربما يحسد نفسه، وربما يحسد من لا يقصد أذيته من ماله أو ولده أو أخيه، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه من نفسه أو ماله أو ولده أو إخوانه فليدع بالبركة (فإن العين حق) كما قال صلى الله عليه وسلم، فتقول إذا أعجبك شيء سواءً النفس أو المال أو الأولاد أو الإخوان: اللهم بارك فيه ولا تضره، فهذه رقية تمنع تأثير هذه العين، وكان في رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك).
فهذه بعض الأحاديث التي وردت في إثبات الحسد من القرآن والسنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.