والحسد ورد في القرآن وفي السنة، أما القرآن فوردت مادة حسد خمس مرات، فالموضع الأول: قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54]، والمقصود من قوله: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)) يعني: بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله، أي: من نعمة الوحي، كما ذكرنا أن قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران:173] عام أريد به خاص، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ} [البقرة:109].
الموضع الثالث: قوله تعالى حاكياً عن المنافقين: {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} [الفتح:15].
الموضع الرابع: قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ} [الفلق:5].
الموضوع الخامس: قوله تعالى: {إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5].
فهذا من حيث اللفظ، أما من حيث المعنى فورد في آيات اختلف في تفسيرها، لكنها على بعض الأوجه تفيد إثبات الحسد، ومن ذلك قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]، فهذا حسد أيضاً على نعمة الإسلام.
وقوله تعالى: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ))، هذا أيضاً تمني زوال النعمة عن المؤمنين.
وفي قصة يوسف قال عز وجل: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف:8 - 9] إلى آخر الآية.
ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:51]، أي: يحسدونك، ويعينوك بأبصارهم {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51].
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:120]، فهذه شماتة، والحسد والشماتة يتلازمان.
وكذلك من الآيات التي لها تعلق بالحسد: الآيات التي تنهى عن الحسد، مثل قوله تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32].
وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة:213]، قالوا في تفسير قوله: ((بَغْيًا بَيْنَهُمْ)) يعني: حسداً.
وقال عز وجل: ((وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)) إلى قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا} [البقرة:90] أي: حسداً {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:90] ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:31 - 32].
ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ} [فصلت:29] قال بعض أهل التفسير: أراد من الجن إبليس، والإنس قابيل؛ لأن إبليس هو أول من سن الكفر، وقابيل أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد، فإبليس حسد آدم، وقابيل حسد أخاه هابيل، ولهذا يقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، يعني: معصية إبليس، وأول ذنب عصي الله به في الأرض، وهو حسد قابيل لـ هابيل.
وأثنى الله على المؤمنين بترك الحسد فقال عز وجل: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر:9] أي: لا تغيض صدورهم من نعمة الله على إخوانهم، ولا يغتمون، فأثنى عليهم لعدم اتصافهم بالحسد.