القسم الثالث: أن تكون السنة مستقلة بإثبات حكم لم يأت به القرآن.
وهذا هو الغصة في حلوق أعداء السنة؛ لأنهم على درجات، منهم من ينكر السنة مطلقاً، ومنهم من ينكر السنة على استحياء، لكن حتى يسد عليك الباب يقول: نأخذ من السنة العملية المتواترة.
وقد رأيت بنفسي من منكري السنة أنهم غارقون في الجهل بطريقة غير عادية! فمنهم شخص من الإسكندرية، وله كتب مؤلمة وموجعة، منها كتاب: الدين الصواب للمحاورة بين السؤال والجواب، وكتاب آخر أسماه: الأضواء القرآنية لاكتساح الأحاديث الإسرائيلية، وتطهير البخاري منها.
إلى غير ذلك.
وهذا موجود في كلام محمد عبده، فإنه يرى أن السنة العملية المتواترة يعمل بها.
فبعضهم ينكر كل السنة كما ذكرنا، ومنهم من ينكر الأحاديث المتواترة العملية، فمن أين نعرف الصلاة؟ ومن أين نعرف الزكاة؟ ومن أين نعرف كذا؟ ومنهم من يقبل السنة التي تشرح القرآن، لكن لا يقبل السنة التي تستقل بإثبات حكم غير موجود في القرآن، ولذلك كان هذا القسم من أخطر أقسام السنة في علاقتها بالقرآن، وهو أن تأتي السنة بحكم غير موجود في القرآن على الإطلاق.
فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها قالت: (أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت لها عائشة: أحرورية أنت؟ قد كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم نطهر، ولم يأمرنا بقضاء الصلاة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها)، فهذا النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها غير موجود في القرآن.
وعن المغيرة: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة)، هذا غير موجود في القرآن.
وحديث: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)، هذا في مسلم، وهو غير موجود في القرآن.
كذلك جاء القرآن بجلد الزاني غير المحصن، وزاد في السنة تغريبه، وأوجبت السنة الكفارة على من جامع في نهار رمضان.
كذلك جاء في السنة المسح على الخفين، وليس في القرآن.
كذلك القرآن ينص على أن العين بالعين، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه).
كذلك حديث ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر إلى قوله: وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.
يقول ابن القيم: بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها، فلو كان لنا رد كل سنة زائدة على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، إلا سنة دل عليها القرآن، وهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع، ولابد من وقوع خبره.
وكما قال الشافعي: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.