يقول الحمزة دعبس: فقلت له: أنا سأنشر الردود التي تردّ عليك كلها.
فقال لي: هذا حق مصون، وأنا أرحّب بها كل الترحيب، ولكن أجّلها إلى نهاية المقالات.
ومن المعلوم أن أي جريدة -غالباً- حينما تنقل بعض المقالات تقول: المقالات أو الآراء المنشورة في هذه المجلة على مسئولية أصحابها، والجريدة غير مسئولة عنها.
حتى لو كانت حقاً واضحاً، فكيف بمثل هذه الفرية وهذه البدعة والضلالة؟! وأنت أيها الصحفي انحزت بكل قوة إلى هذا الرأي الذي لم يسبق لك دراسته، ثم لم تعرضه على أهل العلم قبل أن تنشره، ثم فرضته بالقوة أيضاً خلال عشرة أشهر أو ما يقارب ذلك فرضاً، وحجبت كل الردود التي وصلت إليك، هل هذا السلوك فيه تجرد وفيه إنصاف أم لأنك أنت في يدك المحبس تتحكم كما تشاء وكما تهوى؟! أهذه هي الأمانة؟! ومن العدل أن كل ما تنشره من مقالات، فعليك أن تنشر الردود عليها أو تعرضها على العلماء ليقولوا قولتهم، أما أنك تنشر خلال هذه المدة الطويلة، وتحفّظ الناس: (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) لتتخذ من أساليب الصحافة المغرضة وسيلة لزعزعة هذا الحكم الشرعي فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم بعد أن انتهت المقالات، لم ينشر الرجل رداً واحداً من الردود التي وصلت، وأخفى الردود، وإذا بأحداث العراق والكويت تفجر القضية من جديد، وحوار مع الأصحاب حول موضوع تحريم النقاب، ومن جديد يفجّر القضية، وينشر صورة قبيحة لامرأة محجبة لتشويه الحجاب، وهذا المسلك السيئ لا يسلكه المنصفون أو أهل العلم والفضل، إنما يسلكه الصحفيون في وسائلهم للتشنيع على الأخوات أو على المسلمين عموماً في طريقة النشر لتلك الصور التي تثير الاستفزاز، حيث إن فيها نوعاً من التنفير من صورة المنقبات، وهذا من أساليب الصحافة المغرضة.
وهذا الحمزة دعبس كان قد أخذ على نفسه العهد بعد العهد أنه سينشر الردود حتى يسكت الأصوات المعارضة، فإذا به فجأة يحيل جميع الردود التي وصلته إلى الخصم ليكون هو القاضي! ويقول له: نريد أن ترد على هذا الكلام الذي وصلنا.
انظر إلى هذا التمادي في الظلم والتجنيّ، فبعد كل هذا العدوان يعطيه في الأخير جميع الردود ويعرضها من وجهة نظره هو، ثم يقوم الدكتور بالبتر والتحريف للكلام، ويخفي ما يمكن أن يدينه أو يهز صورته.
كانت أول مقالة: (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) في أول شعبان عام (1409) هجرية كما ذكرنا، وفي الأسبوع المقبل بعدها مباشرة كتب الحمزة يقول: اعتذار: قدمنا في العدد الماضي سلسلة من المقالات للدكتور: إسماعيل منصور في التذكير بتحريم النقاب، وقد اتصل بي العديد من الزملاء والأصدقاء، وأسدوا إلي نصيحة بعدم نشر هذه السلسلة؛ لأن النقاب في مصر من الندرة الشديدة بمكان، فلا تكاد المنقبات يمثّلن شيئاً يُذكر، أو نسبة يُعتّد بها في المجتمع المصري.
وهذا كلام تشم منه رائحة الازدراء والاحتقار.
ثم يقول: هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: فإن العمل الإسلامي يعاني من الفض على بعض أعضائه الذين يتعرضون للتعذيب، وهم في صدام مع الشرطة وغيرها، ولسنا بحاجة إلى أن نحملهم هموم جديدة، تتوالى عليهم من الأصحاب، وتكفيهم شرور السلطة، وتسلط الشرطة، وهجوم الكُتّاب العلمانين من النصارى والشيوعيين.
فكأن هذا منه رحمة ورأفة بالعمل الإسلامي؛ لأنه يعلم أن العمل الإسلامي القائم على العلم، والأصالة، واتباع الدليل، واحترام الشرع، هم الذين يلتزمون بهذا الحكم، فهذا لا يجهله، فيقول: لا نريد أن نزيد همومهم، ويكفيهم ما لاقوا من المعاناة، ومن المحن، فلا ننضم نحن أيضاً عليهم!! يقول: وقد استمعت إلى النصيحة، وذهبت أوازن بين مزايا النشر وعيوبه، واستشرت من حولي، فأيدوا وجهة نظر الناصحين، وتدبرت حالي مليّاً، فوجدت أن حكم الإسلام واجب التبيان! وأن السكوت عنه مع العلم به قد يكون فيه عصيان! سبحان الله! يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ ولكني سمعت أصواتاً عديدة تهتف: الخلاف شر.
فاكتفيت بإثبات رأي الدكتور إسماعيل منصور الذي أكنّ له كل تقدير واحترام، والذي انتهى فيه بالدليل والبرهان إلى أن النقاب تكلّف وحرام، وأذعنت للنصيحة عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينوا لإخوانكم) وأنا مقدّر كل التقدير لأدلة الدكتور إسماعيل منصور وله أقدم الاعتذار.
إذاً: الاعتذار موجّه إلى إسماعيل منصور!! ولم يعتذر أنه انحاز مسبقاً بكل قوة إلى هذا الرأي الباطل، ولم يعتذر عن هذه الديباجة المثيرة التي زيّن بها هذا الباطل وزخرفه، ولم يعتذر للأخوات، بل يزدري المنقبات ويحتقرهن، ويقول: هن ندرة! ولا يشكلن أي ثقل في المجتمع! إذاً: ما الذي جعلك تعدل عن هذه الحكمة وهذا التعقل؟! وما الذي جعلك تعدل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينوا لإخوانكم)؟! فهذا عذر أقبح من ذنب.
وكان ينبغي ألا يوجه الاعتذار إلى ذلك المبتدع، كان ينبغي أن يعتذر إلى ملايين المسلمين الغيورين على دينهم، والذين آذاهم بما فعل، وإلى آلاف النساء المنقبات اللاتي هَمَزهن ولَمَزهن.
فالشاهد: أنه هنا أبرم أمر رشد لم يلبث أن نقضه في العدد الثاني الصادر في الأسبوع الذي بعده، بحجة هي أوهن من بيت العنكبوت! ما هي الحجة؟ هي أنه قبل أن يعمل بهذه النصيحة نسي صلاة الاستخارة، فعاد وصلاها فانشرح صدره أن ينشر المقالات من جديد.
هذه هي الحجة التي جعلته يبطل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لينوا لإخوانكم)! يقول: نسيت أن أستخير.
فلما تذكر الاستخارة استخار، ورأى أنه انشرح صدره لنشر هذا النور في الآفاق!! وأنا مضطر إلى أن أتكلم عن الرد الذي أرسلتُ إليه بعد أن نشر هذا الاعتذار، باعتبار أني كنت ممن أرسلوا ردوداً، وكنت أحد ضحاياه أيضاً! فأتحدث عن ما لامسته بنفسي، ولعله إذا انضم إلى الكلام من أرسل مثلي، فقد تكون هناك طامات أكبر لم نطّلع عليها في الخيانة وعدم الأمانة في نقل كلام الآخرين، فهذه الرسالة قبل أن أتلوها عليكم قد جاءت رداً على هذا الاعتذار، قبل أن يكون إسماعيل منصور نشر حرفاً واحداً من مقالاته، بل خبأ هذه الرسالة، وفي الشهر الماضي في أواخر الشهر الماضي بدأ ينشر من جديد ويقول: إنه وصلتنا رسالة من فلان، وسوف نرد عليها.
فأوهم القراء أنه ليس هناك رد إلا رسالتي هذه فقط، فأقول: أولاً: هذه الرسالة لم تكن رداً على إسماعيل منصور؛ لأنه لم يكن نشر شيئاً، بل هي رد على صاحب الجريدة، وقد كان المفروض أن ينشرها، لكنه كتمها وخبأها كما فعل مع آخرين، ثم إنني قبل موسم الحج أرسلت إليه الجزء الثالث من كتابي: (الحجاب) مع خطاب صغير، وقلت له: من صفحة كذا إلى صفحة كذا يتضمن الرد على إسماعيل منصور، فإن كنت ترى أن تنشره كما هو فلك ذلك، وإن كان طويلاً فكلِّفْني بالأمر وأنا أختصر الرد وأرسله إليك.
فإذا كلفني فيكون فيه التزام ضمني بأنه لا يحرّف الكلام؛ لأنه هو الذي قال لي: اكتب، فانتظرت فلم ينشر أي شيء، ثم إنه بعد ذلك قال إسماعيل منصور في الأسابيع الأخيرة: وصَلَنا خطاب صغير من فلان، يشير فيه إلى أنه أرسل مع الرسالة مطبوعات عن الحجاب.
فكأنني صوّرت له صفحات معدودة من عدة كتب، ولم يبين أن هذا ردّي الذي أرد به عليه، لكنه قال: مطبوعات عن الحجاب -حتى يوهم أنها مطبوعات قليلة- وفيه أدلة لوجوب النقاب، وتتضمن ردوداً عن المقالات السابقة بالتحريم.
ثم قال بعد ذلك معلقاً على الرد الذي أرسلته إليه: ولم يأتِ رد علمي ولا غيره في نفس المقالة.
وهذا لأنه قال: بعث مطبوعات.
ولم يقل: بعث رداً، فقال: لم يأت رد علمي ولا غيره، وإنما أوصل رسالة ليس فيها رد علمي على الإطلاق، بل هي مليئة بالاتهام وسوء الظن.
فكأن هذا هو المنهج السلفي في نقد الآراء المخالفة له، فأوهم الناس أن الذي رد عليه هو هذه الرسالة، والصحيح أن هذه الرسالة ليست رداً على إسماعيل منصور، بل كانت رداً على الحمزة دعبس، فكتمها إلى قبل أسابيع قليلة، ثم نشرها من خلال عيّنة أعطاها لـ إسماعيل منصور، حيث قال له: رُدّ على هذه الرسائل.
فالمفروض إن دعبس يجعل كل طرف يمثل وجهة نظره الخاصة به إذا كان هذا مبطلاً والآخرون على حق، لكنه أوهم أن هذا هو الرد على إسماعيل منصور، وهو رد على الحمزة دعبس قبل أن ينشر إسماعيل منصور حرفاً واحداً.