يحاول بعض الناس الاعتياض عن هذه التعبيرات الشرعية العظيمة بكلام يسمونه الحكمة، كقولهم مثلاً في محاولة وضع حد لتعريف الوسطية: إن الفضيلة وسط بين رذيلتين.
والخطأ في هذه العبارة هو جعل هذه المقولة معياراً بشرياً للحكم على الرذائل والفضائل، وهذا ليس بصحيح؛ لأن تحديد الفضيلة والرذيلة ليس من شأن البشر، وإنما هو إلى الله سبحانه وتعالى، ولأن الذي جعلنا الأمة وسطاً هو الله سبحانه وتعالى، وذلك بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ} [البقرة:143] فإذاً: الميزان هو شرع الله تبارك وتعالى في تحديد الوسطية والفضيلة والرذيلة.
ولأن تحديد الوسط بالنسبة للعقل البشري شيء صعب جداً، فمن الصعب أن يتفق الناس على شيء وسط.
يقول أرسطو: إن إدراك الوسط في كل شيء أمر صعب جداً.
ويقول الغزالي: إن إدراك الوسط هو من أعقد الأمور وأعصاها، كذلك تحديد الوسط أمر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص، ولذلك قال ابن سينا: ليس وسط الشيء عينه، بل الوسط بالنسبة إلينا.
إذاً: الوسطية ليست معياراً بشرياً، ولكنها ميزة تميز بها هذا الدين وتميزت بها شرائعه، فالدين وأهله براء من الانحراف، سواء الجانح إلى الغلو أو الجانح إلى التقصير.
إن مظاهر هذه الوسطية في الدين كثيرة جداً؛ إذ هي شاملة لجميع جوانب الحياة، فكل أمر من أوامر الإسلام جاء على وفق العدل.