يقول ابن جرير رحمه الله: وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال: فلان وسط الحسب في قومه أي: متوسط الحسب.
إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه.
وورد عن أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه وصف المهاجرين في يوم سقيفة بني ساعدة بقوله: (هم أوسط العرب داراً) والمقصود به أنهم خير العرب.
ومن ذلك أيضاً قول زهير بن أبي سلمى: وهم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي العظائم فقوله: (وهم وسط) يعني: هم عدول.
ومن معاني الوسط الشيء الذي يكون بين طرفين، وليس هناك تعارض بين القول بأن الوسط هو العدل وبين القول بأن الوسط هو الجزء بين الطرفين؛ لأن الجزء بين الطرفين في موضع اعتدال من الجانبين، وهذا من حيث اللغة.
قال الطبري رحمه الله تعالى: وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلو بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوه فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله عز وجل أوسطها.
وكذلك العدل يأتي دوماً وسطاً بين طرفين ذميمين، قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: (اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم، والله إن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدا) وهذا إشارة إلى نفس هذا المعنى.
وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كتاباً إلى عامل من عماله فقال بعد أن أوصاه بلزوم طريق من سلف: ما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، لقد قصر بينهم إخوان فجفوا، وطمع عنهم قوم آخرون فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.