ومن تلك الإجراءات أن الإسلام حرم سفر المرأة بغير محرم، وبعض النساء حينما نتكلم في هذا تظن أن هذا نوع من التشديد أو التعسير عليهن، ولا يدركن أن هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بهن كما سنبين؛ لأن المرأة مظنة الشهوة والطمع، والمرأة لا تكاد تقي نفسها لضعفها ونقصها، ولا يغار عليها مثل محارمها، لا يغار على المرأة غيرة حقيقية أبداً أحد مثل محرمها كزوجها أو أخيها أو ابنها، الذين يرون أن النيل منها نيل من شرفهم وعرضهم، وسفرها بدون محرم يعرضها إلى الخلوة بالرجال ومحادثتهم، وقد يقع فيها من في قلبه مرض، وربما سهل خداع المرأة، وربما يعتريها مرض، وإذا سلمت من كل هذا فلن تسلم من القيل والقال إذا سافرت بدون محرم يصونها ويرعاها فمن أجل ذلك كله حرم الإسلام عليها أن تسافر بغير محرم يصحبها ويحميها، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) (لا تسافر) فهنا أطلق السفر ولم يقيده بمدة ولا بزمن، وهذا هو الصحيح أن السفر هو كل ما أطلق عليه لفظ السفر فإنه يتناوله هذا الحديث، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ذلك في ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك.
وفي رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المطلقة: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، وقال الحافظ رحمه الله: قد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات.
أي: الروايات التي فيها تقييد مختلفة ومتفاوتة، فالمخرج من هذا كله أن يقال: السفر مطلقاً.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.
ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتب في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك)، فأمره أن يترك الجهاد وينطلق كي يصحب امرأته في الحج، وقال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى (النساء لحم على وضم) والوضم: ما وقيت به به اللحم عن الأرض من خشب أو حصير يعني الشيء مثل السفرة على الأرض تضع عليه اللحم كي تحمي اللحم أن ينتقل عليه التراب مثلاً، سواء قطعة خشبة أو قطعة حصير، فهذا هو الوضم، فمعنى قول الإمام ابن العربي: (النساء لحم على وضم إلا ما ذُبَّ عنه) أن اللحم إذا تركته على وضم فإن الذباب يجتمع عليه ويلوثه ويفسده، إذا تركت اللحم على الوضم دون أن تدفع عنه الذباب أو تغطيه بشيء فإنه سيأوي إليه الذباب ويفسده، فهكذا أيضاً (النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه)، فيقف معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها يذب عنها هذه الذئاب البشرية وهؤلاء الذباب ويحميها من هؤلاء، كما يقول الشاعر: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الحامي لأن أمثال هؤلاء الذئاب من البشر أو الكلاب من البشر إذا رأوا المرأة معها من يحميها فإنهم لا يجرءون عن أن يقتربوا منها.
تعدو الذئاب على من لا كلاب له.
الكلاب التي تستعمل الحراسة، يعني عدم وجود الحرس.
وتتقي مربض المستأسد الحامي.
أي: الذي يقف كالأسد يحمي عرضه.
يقول ابن العربي: كل أحد يشتهيهن وهن لا مدفع عندهن، بل ربما كان الأمر إلى التخلي والاسترسال أقرب من الاعتصام، فحد الله عليهن بالحجاب وقطع الكلام وحرم السلام، وباعد الأشباح إلا مع من يستبيحها وهو الزوج، أو يمنع منها وهم أولو المحرمية، ولما لم يكن ذلك من تصرفهن جعل الأصل قرارها في البيت، فلما لم يجد مفراً من أن يخرجن لقضاء حاجتهن أذن لهن فيه بشرط صحبة من يحميهن، وذلك في مكان المخالفة وهو السفر مقر الخلوة ومعدن الوحدة).
السفر غالباً يكون فيه وحدة ويكون فيه خلوة، فإذا تركت وحدها تتعرض لما لا تطيق، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة.
أي: حتى لو كانت امرأة كبيرة؛ فإن السفلة والسقطة من الناس لا يرتدعون حتى عن الكبيرة، كما يقول الشاعر: ولكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوماً لها سوق فيقول النووي: قد قالوا: (لكل ساقطة لاقطة) ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطتهم من لا يترفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وحيائه.
فتباً لهؤلاء الذين يطلقون لبناتهم ولنسائهم العنان يسافرن دون محرم، ويجعلون من علامات المرأة المتحررة المتنورة أنها تسافر دون محرم! وأنها الآن تجهر وتفخر بأنها تسافر بدون محرم، ويخلون برجال أجانب مدعين أن الظروف تغيرت، وأن المرأة اكتسبت من التعليم ومن الحرية ما يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها، ما هذا إلا فكر خبيث دس إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلا حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم غيرة الرجولة والشهامة، فضلاً عن كرامة المسلم ونخوته، يقول فضيلة الدكتور الصباغ حفظه الله تعالى: ومثل الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنهم ربوا على الاستجابة بنداء الفضيلة ورعاية الخلق مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة، ثم ادعوا أن الانفجار لا يكون؛ لأننا كتبنا ورقة وضعناها فوق البارود تحذيراً من الاشتعال والإحراق!! هل هذه الورقة يكون لها قيمة؟! النار موجودة بجانب البنزين أو البارود، ويقول: إن المانع من الانفجار هو هذه الورقة.
يعني أن هذه حجة واهية مثل هذه الورقة التي لا قيمة لها؛ لأنه متى ما اقترب البنزين من النار فالنتيجة معروفة في الغالب، فهذا خيال بعيد عن الواقع، ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثها، أنه متى حصل تسيب وتهاون في نظام الأسلاك الشائكة بين الرجال والنساء فالنتيجة معروفة.
ونحن إذا كنا نتكلم من خمسين سنة عندما كانت دعوة تحرير المرأة ونشر هذا الفساد في بلاد المسلمين ما زالت قائمة، وعندما خضنا التجربة كان يمكن أن الكلام فعلاً يحتمل، ولذلك خدع به كثير من الناس، لكن الآن المفروض أن القضية ليست محل خلاف في أن هذا من أفسد المناهج، أي: الاختلاط والإباحية التي إلى الآن نرى ثمرتها، وسنحاول أن نتكلم فيما بعد عن ذلك بالتفصيل إن شاء الله.
فالموضوع أخذ باستدراج، ففي البداية كانت المعركة حول كشف وجه المرأة، وزجوا ببعض الشيوخ في المعركة، وجعل يقول: الشرع يبيح كشف وجه المرأة، وهؤلاء الناس متزمتون أو متشددون، ويحرفون الآيات عن مواضعها.
وينحرفون في تفسير نصوص الشريعة إلى أن ينصروا هذا المذهب المرجوح القائل بإباحة كشف وجه المرأة، ثم إذا فرغوا من ذلك ترقوا إلى خطوة أخرى، إلى الآن وصل الأمر إلى ما نحن عليه الآن، فالآن المفروض أن كل شيء انكشف، وأن كل سوءات منهج تحرير المرأة ومناهج الإباحية الآن صارت تجربة خضناها وصار عندنا رصيد من الحقائق المريرة نعيشها ونحياها، فالكل منا يجد ثمرات مرة لتحرير المرأة ويراها في الطرقات وفي المواصلات وفي المرافق وفي الوظائف وفي الجامعات وفي المدارس وفي الهيئات، في كل مكان في بلادنا نرى الثمرات المريرة لا المرأة نضجت ولا المرأة حصلت خيراً، بل المرأة الآن عادت تحلم من جديد بأن تستقر في بيتها وتعود إلى مملكتها، فكل هذا الكلام مغالطات خطابية، فقط يقال للتغرير بالنفس، والمفروض أنه الآن انتهى دور الكلام الخطابي؛ لأن الواقع يقطع كل من يجادل في هذه الحقائق، فإننا ما ذقنا من هذا كله إلا الانحدار، وإذا لم يحصل وقوف لهذا التيار من الانحلال والفساد فالنهاية ستكون كما حصل في تركيا، حينما ثبتت على هذا الطريق الذي يُعلم جيداً أن من قطع الخطوات الأولى فيه لا بد أن تنتهي به إلى الإباحية المطلقة، وقد سمعت من بعض الناس أن البلاد الأوربية تخشى على فسادها من شبكات البث التركية من الفساد الذي فيها! فبعد ما كانت تبث النور لكل أوروبا ودخل الملايين من أهل أوروبا في الإسلام على يد الأتراك، إذا بهم يكيدون لنا حتى يجعلوها هي البؤرة لنشر الفساد في كل المنطقة، وهذا الشيء الوحيد الذي تفوق فيه الأتراك الآن في هذا الزمان إلا من رحم الله! هذا الفساد الذي يشيعونه في كل مكان حتى جعل بعض البلاد الأوربية تخشى على فسادها من فساد البرامج التركية والبث التلفزيوني التركي والعياذ بالله، فنفس الشيء إذا لم يحصل كبح لهذا الاتجاه ستمضي الأمور على سلمها، كل يوم يحصل تحطيم لشيء جديد من الرصيد الذي تبقى لدينا من القيم، فالأمور تتدهور، وهناك أناس لهم مصلحة في تحصين شباب المسلمين والمسلمات عن طريق الإنحلال، بعدما اجتهدوا في تحصينهم عن طريق الشبهات والطعن في الدين والأفكار البائسة كالعلمانية وغيرها، ثم الآن العمل ماض على قدم وساق لأجل تحصينهم بالانحلال خدمة لأغراض اليهود؛ لأن المطلوب من الأمة أن لا يصلح شبابها في المستقبل القريب لأي نوع من المقاومة حتى يستطيع اليهود أن يركبوهم كالحمير كما يقول اليهود، وهذا السر في أن اليهود دائماً يحاولون تحطيم جميع الأجيال بنشر الفواحش والمذاهب الهدامة حتى لا تقوى هذه الشعوب على المقاومة حينما يقوم من جديد ملك داود في بيت المقدس وتقوم مملكة داود، ويخرج إليهم المسيح الدجال كما ينتظرونه، ويسمونه المسيح المنتظر، فهدفهم كله تحطيم الأمم حتى لا يبقى عندها أي قدرة على المقاومة، ولا يكون عندها مبدأ، ولذلك نجد أن المخدرات تنتشر وهي سلاح أشد فتكاً من الأسلحة النووية على شباب المسلمين؛ لأن الإنسان إذا سقط صريعاً للإدمان انتهى ويشطب عليه، ولا يؤمل في أن يعالج فيما بعد إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى، فالأمر جد خطير، وهي عبارة عن سلسلة متشابكة من المؤامرات لتحطيم مقومات القوة في أمة المسلمين وفي أمة التوحيد كي لا يبقى عندها أي قدرة على المقاومة إذا حضر السيد اليهودي.