الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال الله عز وجل: لا يأتي النذر على ابن آدم بشيء لم أقدره عليه، ولكنه شيء أستخرج به من البخيل، يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل).
وفي رواية: (يؤتيني عليه ما لم يكن آتاني من قبل)، رواه الإمام أحمد وهو صحيح على شرط الشيخين كما ذكر الألباني.
هذا الحديث يدل بمجموع ألفاظه على أن النذر لا يشرع عقده، بل هو مكروه، وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام، وقد قال بذلك أقوام، أي: أن قلة من العلماء قالوا: إنه حرام.
إلا أن قوله تبارك وتعالى: (أستخرج به من البخيل) يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاصة بنذر المجازاة أو المعاوضة، دون نذر الابتداء والتبرر، فهو قربة محضة؛ لأن للناذر فيه غرضاً صحيحاً، وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب، وهو فوق ثواب التطوع؛ لأن النذر هنا مجرد تعبد وتقرب بقربةً محضة لله تبارك وتعالى بالقيام أو بالصدقة أو بالصلاة أو بالذبح أو بأي شيء من العبادات التي يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، وهذا لا يدخل في باب الكراهة؛ لأنَّه عبادة محضة.
وثواب النذر فوق ثواب التطوع؛ لأنه يجب الوفاء به، فهو يثاب عليه.
وفي كلتا الحالتين متى عقد أو متى نذر الإنسان نذراً وجب عليه الإتيان به، حتى لو أنشأ هذا النذر المكروه الذي هو نذر المعاوضة أو نذر المجازاة، فهذا النذر الذي هو قربةٌ محضة هو المراد بقوله تبارك وتعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7]، أي: يوفون بالنذر الذي هو قربة محضة.