أيضاً: ينبغي أن نعرف ما هو أصل الأصول في هذا الدين، هل هو التوحيد؟ هل هو الحكومة الإسلامية؟ هل هو تأليف القلوب؟ إلى غير ذلك من الأهداف التي ينادى بها.
قبل هذا الزمان ما كان أحد أبداً يجرؤ على أن يقول: إن أصل الأصول شيء آخر غير التوحيد، حتى جميع الفرق الإسلامية التي نشأت؛ سواء المعتزلة، أو الجبرية، أو الجهمية، أو الأشاعرة، أو أهل الحديث، أي فرقة من الفرق العقائدية ما كانت تعد أصل الأصول إلا التوحيد، وإن انحرف بعضهم في فهم التوحيد وكيفية تحقيقه، لا سيما في قضايا الأسماء والصفات، لكن لم يكن يوجد سوى فرقة الشيعة الإمامية التي تقول: إن هناك شيئاً آخر يعتبر أصل الدين سوى التوحيد.
فمعلوم أن أصل الدين في كل عصور الإسلام ما كان يذكره العلماء إلا أنه هو توحيد الله سبحانه وتعالى، حتى لو انحرف البعض في فهم عقيدة التوحيد، بل العلماء يذكرون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) أن أوجب العلوم على العبد، وأول واجب على المكلف: معرفة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة معنى لا إله إلا الله، وكيفية تحقيق التوحيد.
هذا هو الهدف الأسمى من بعثة الرسل، وهو أول واجب على كل مكلف: أن يفهم معنى لا إله إلا الله، وما هي لوازم هذه الكلمة، وما الذي ينقض هذه الكلمة، فيتعلم هذه الأشياء قبل أن يتعلم الصلاة وغيرها من الأحكام الفقهية.
ولم يشذ عن جماعة المسلمين في هذا إلا فرقة الروافض -الشيعة الإمامية الإثني عشرية- فإنهم قد عدوا أصل الدين عندهم هو: (الإمامة)، وهو الإيمان بإمام لكل زمان، أي: يوجبون على الله سبحانه وتعالى أن ينصب إماماً لكل زمان، فحتى في هذا الزمان يقولون: إن الإمام موجود وهو المدعو: محمد بن الحسن العسكري، لكنه مختبئ في السرداب كما يزعمون.
فالتوحيد لابد أن يقدم على ما سواه، فيقدم الأهم على المهم، وهذا التوحيد ليس لفظاً مبتدعاً، ولكن جاءت به أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أول ما يدعو الناس إليه كما في قصة معاذ عندما أرسله إلى اليمن فقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله)، فأول شيء هو التوحيد.