أيضاً: إذا جعلنا الحكم هو الغاية فمعنى ذلك أننا قد نستبيح في سبيله بعض الوسائل غير المشروعة، كالانضمام إلى الأحزاب المحاربة لدين الإسلام؛ كحزب الوفد وغيره من الأحزاب العلمانية، وكلمة (العلمانية) هذه كلمة مهذبة، دون ما يستحقه القوم من ألقاب، فكلمة (علمانية) تعني: (اللادينية) هذه كلمة في ظاهرها مهذبة، وما هي إلا رفض دين الإسلام، وتسوية الدين الإسلامي بكل الأديان، بحيث تقف كلها على قدم المساواة، فالحق يساوي الباطل من أجل الوحدة الوطنية أو الأخوة الإنسانية وغيرها من المفاهيم الباطلة، لكن العلمانية كفر ورفض لدين الإسلام، ومحاولة لعزله عن واقع الحياة.
فهذه عبارات مهذبة حتى لا توقع العبارات الصحيحة أصحاب هذه الدعاوى فيما يستحقونه من أوصاف شرعية.
فالتنازل من أجل إقامة الحكم الإسلامي معناه: أن نتنازل عن عقيدتنا، ونتعاون مع هؤلاء الناس الذين يرفضون الدين، ويرفضون الإسلام، ولا يجعلون غايته هو توحيد الله، والدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى.
الإنسان في هذا الوجود كائن مهم، ولا ينبغي الاغترار بظاهر الكفار وما هم عليه، كما قال الله عز وجل مبيناً ما عندهم من العلم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]، فلا يغرنا ما يتمتع به الكفار من زينة الدنيا، ومن الغلبة والقوة والسطوة، فما قوتهم إلا في ضعف المسلمين، لكن القوة الحقيقية هي في الإيمان، والاعتصام بحبل الله المتين، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:178]، فالتمكين في الأرض لا يأتي إلينا إلا بعد أن نتمسك نحن بالدين في أنفسنا، يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]، إذاً: هي هدية ومكافأة وامتنان من الله سبحانه وتعالى على الاستمساك بحبل الله، فتكون العاقبة للمتقين، والعاقبة للتقوى، ويمكن الله سبحانه وتعالى لأوليائه في الأرض.
أما أن نتنازل عن ديننا، أو عن المفاهيم الأساسية في ديننا من أجل تمكين وإقامة الحكومة الإسلامية، فهذا لا يكون؛ لأنه لابد أن تكون الوسائل شرعية، فالحكم أو السياسة ليس الغاية، إنما الغاية هي تحقيق العبودية لله وحده، كما قال تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:2]، وهي سبب التمكين في الأرض.