وفاة الطبيب عبده رحمه الله تعالى

زاد الطبيب اقتراباً من الأسرة ومن الناس، واتجه إلى الخروج من عزلته التي كان قد ضربها على نفسه وارتاح لها في خدمة السجون، فالتحق بوزارة الصحة، وأنجب ولدين آخرين هما محمود وإبراهيم، حين كان طبيب مركز السابلوين نحو أربعة أعوام.

ثم حملت زوجته من جديد، فقال هو: علي أو علية.

فكانت علية التي توفي عنها أبوها وهي طفلة عمرها شهران، حين كان طبيباً لمركز من المراكز، وكانت جيوش الحلفاء الكبرى تنتقل في بعض مواقع محافظة الشرقية، وكان قد انتشر بين الجنود وباء التيفود، فانتقلت العدوى إليه أثناء عمله في المخيمات التي يعزل فيها المرضى، وأحس الطبيب الشاب بدنو الأجل، فقد كان -رحمه الله- صالحاً شفاف البصيرة، وكأنما خاف على زوجته وأولاده مما سيلاقونه لو وافته المنية بعيداً عن الأهل.

فحزم حقائبه، وأغلق داره وعيادته، واصطحب زوجته وخادمته وأولاده، وشغل ديواناً مستقلاً بالقطار حتى لا تنتقل العدوى منه إلى غيره من الركاب حتى وصل إلى منزل صهره الفاضل الشيخ عبد الحميد مصطفى رحمه الله، لكن إخلاص صهره وسهر زوجته وصغر سن أولاده ومهارة معالجيه من الأطباء لم تفلح جميعها في تأخير لحظة النهاية، فوافاه أجله المحتوم بعد ستة أيام فقط من مرضه، وكان ذلك بعد مغرب شمس يوم الثامن عشر من يوليو سنة (1918م)، بعد أن ضرب للبشر مثلاً عالياً في إصراره وشجاعته، وحسن إسلامه وصدق إيمانه.

وقد منح رحمه الله للبشرية أبناءً نافعين مؤمنين، عاش منهم حتى خلد اسمه وذكره الدكتور عيسى عبده العالم الاقتصادي الإسلامي المعروف، والدكتور المهندس محمد عبده أستاذ الهندسة بجامعات سويسرا، ومن بعدهما أولادهما، نفع الله بهم أمة المسلمين، ورحم الله صاحب هذه القصة ومن أحبه وآواه ونصره، ومن خلف من نسله ونسل أبنائه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015