وقوله: (وألا يأتي هذا المسجد)، أي: لا يدخل المسجد الأقصى بيت المقدس (أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما اثنتان فقد أعطيهما) أي: أعطي الأولى والثانية، فوهبه الله الفهم، ووفقه للصواب في اجتهاداته، فوافق حكمه حكم الله تبارك وتعالى، وآتاه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، كما فسر ذلك في عدة مواضع من القرآن، ثم تمنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) وفي هذا فضيلة عظيمة للمسجد الأقصى، الذي أنزل الله تبارك وتعالى فيه قوله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].
فالمسجد الأقصى وبيت المقدس يحتلان مكان القلب من كل مسلم؛ لأنه موضع شرفه الله تبارك وتعالى، وهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول بعض الشعراء: مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى وفي المحراب مروان تمثل المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان فلا الأذان أذان في منابره من حيث يتلى ولا الآذان آذان فالمسجد الأقصى الآن دمعه في عين كل مسلم، وطعنة في قلب كل مؤمن، ومصيبة يعيشها الآن كل المسلمين: العرب والهنود والأتراك والأفغان وكل مسلم مخلص لهذا الدين على وجه الأرض.
وقد أم فيه الأنبياء -عليهم السلام خاتمُهم وسيدُهم محمد صلى الله عليه وسلم، وفتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، هذا المسجد سلب منا، وقطع من فؤادنا يوم ضعفت في قلوبنا (لا إله إلا الله)، يقول الشاعر: أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر هذا المسجد الشريف ورد ذكره في الكتاب والسنة، وشرفه الله تبارك وتعالى ووصفه بأعظم الصفات.