الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحداً لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة).
الحديث رواه الإمام أحمد في المسند، ورواه ابن ماجة في سننه في كتاب إقامة الصلاة: باب ما جاء في الصلاة في بيت المقدس، وصححه الألباني في التعليق الرغيب، وأيضاً في صحيح ابن ماجة برقم (1156).
قوله عليه السلام: (لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: -الأولى- حكماً يصادف حكمه) أي: حكماً يوافق حكم الله تبارك وتعالى، والمراد: أن يوفقه الله تبارك وتعالى للصواب في الاجتهاد وفي فصل الخصومات بين الناس، كما بان ذلك في القصة المذكورة في سورة الأنبياء في قوله تبارك وتعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79].
وقوله: (وملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي)، أي: أن الأمر الثاني الذي طلبه سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس هو ما حكاه الله عز وجل في قوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]، أي: لا يكون لأحد من بعدي، والمقصود من هذا: أن يكون ملكاً عظيماً، فهو طلب هذا الملك لا لعظمه وكبر شأنه، وإنما معجزة له؛ حتى يكون سبباً للإيمان والهداية، وأراد أن تكون معجزته مما يناسب حاله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهو أراد أن يهبه الله هذا الملك العظيم، حتى يكون معجزة له، ودلالة على نبوته عليه السلام.
هذا هو التفسير الصحيح لهذا الدعاء الذي دعاه سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]، لا كما يذهب أذناب اليهود والجهال من بعض الناس من وصف نبي الله سليمان عليه السلام بما لا يليق من الصفات، بناءاً على تفسير منحرف لهذا الدعاء.