الأولى: عدم البداءة بالسلام، وهذه مسألة مشهورة، والخلاف فيها أيضاً مشهور وفيها نحو أربعة أقوال: أحدها: تحريم بدء النصراني أو اليهودي بالسلام.
ثانيها: كراهة بدء اليهودي أو النصراني بالسلام.
ثالثها: الإباحة.
رابعها: أنه لا يجوز السلام إلا في حالة ضرورة أو حاجة أو سبب.
وقد حكى هذه الأقوال الإمام النووي رحمه الله وغيره، واختار التحريم، وقال: إنه قول أكثر العلماء؛ لأن ظاهر النهي التحريم.
ويرجح الدكتور الطريقي هنا المنع من البداءة بالسلام، إلا إذا كان ثمة حاجة.
يقول: ولتقريرنا رجحان المنع فإن ذلك ليس فيه إخلال بالوصايا السابقة، فعدم البداءة بالسلام لا يعني سباً ولا سخرية ولا نحواً منهما، ولا يعني ذلك أنك تكف عن الإحسان إلى أهل الذمة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من خاصم ذمياً أو ظلمه فأنا حجيجه يوم القيامة) أي: أنا أجادل وأخاصم عنه يوم القيامة؛ لأن هذا اعتداء على من هم في أمان الله وأمان رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالمسلم يحترم عهد الله وعهد رسول الله وعهد إمام المسلمين، وذلك بأن لا يؤذي من صار تحت حمايته، فلا يخفر هذه الذمة ولا ينقض هذا العهد، ما داموا ملتزمين بضوابط هذه العهود.
يقول الدكتور الطريقي: وعدم البداءة بالسلام لا يعني سباً ولا سخرية ولا نحواً منهما، لكن الذي قد يعطي نوعاً من هذا هو عدم رد السلام، والإسلام يأمر برده على كل أحد.
وهناك فرق بين البدء بالسلام وبين رد السلام، فإن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، ومعلوم أن البدء بإلقاء السلام حتى للمسلم حكمه سنة، لكن رد السلام واجب، رد السلام فريضة، لكن البداءة بالسلام سنة مستحبة، وهذه من الحالات الاستثنائية التي يكون فيها ثواب النافلة السنة أكبر من ثواب الفرض، وهي حالات محدودة تكون النوافل فيها ثوابها أعظم من ثواب الفرض.
الشاهد من الكلام: أن الإسلام يأمر برد السلام على كل أحد، لكن مع النصراني أو مع الكافر تختلف صورة الرد، فإذا قال لك: السلام عليكم، فترد وتقول له: وعليكم؛ لأنه يحتمل أن يلحن بها ويلوي بها كما كان يفعل اليهود، فقد كانوا يقولون: السام عليك، لكن للأسف الشديد من المبكي والمحزن أن كثيراً من المسلمين الآن إذا ألقى السلام يقول: السام عليكم كما كان يقول اليهود، وهذه الطريقة مع أنها لغة عامية بريئة، لكن للأسف فيها تشبه باليهود وإن لم يقصد ما قصدوا من قولهم: السام عليكم، نسمع كثيراً من الناس لا يرد رداً شرعياً كاملاً، ولعل هذا أخف ممن يبدأ بصباح الخير أو مساء الخير، وغير ذلك من تحايا الجاهلية التي أبدلنا الله خيراً منها، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فالصورة بالنسبة للكافر إذا شك المسلم باللحن في السلام من قبل الكافر فليقل: وعليكم فحسب، أما إن علم أنه سلم تسليماً صحيحاً فلا مانع من أن يرد رداً كاملاً، ويقول: وعليكم السلام، ولا يقول: ورحمة الله وبركاته؛ لأنه لا يستحق الرحمة، ولأن رحمة الله في الآخرة.