ومن ثمرات التمسك بالسنة والمحافظة عليها: ما رواه المروزي في كتاب (السنة) عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين.
قالوا: يا نبي الله! منا أو منهم؟ قال: بل منكم)، وهذا أخرجه الترمذي وغيره.
وأيضاً عن جاء أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)، قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة: (قيل: يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه أيضاً الحاكم، ووافقه الذهبي.
فالشاهد في هذا الحديث الشريف أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمى أيام الفتن والإعراض عن الدين بأنها أيام الصبر، ونسبت إلى الصبر للمشقة التي يلقاها الإنسان في الاستقامة على طاعة الله سبحانه وتعالى، فيحتاج إلى قدر أقوى من المجاهدة؛ لأن البيئة من حوله تثبطه وتخذله عن الثبات؛ فلذلك هاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا أنه يشاركنا الإحساس بهذه الغربة، ويشاركنا بهذه الآلام، ويبشرنا بأنها لن تضيع سدى؛ لأن الإنسان إذا وُجد في بيئة صالحة تعينه على البر وعلى الطاعة فهذا يسهل عليه الطاعة، فإذا انتقل إلى بيئة معاندة تصده عن طاعة الله سبحانه وتعالى وتحرضه على الانحراف، فإذا ثبت وقاوم فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، إنما يحتاج هنا إلى مجاهدة أقوى وأكثر، فبالتالي إذا ثبت على الطريق فإنه يثاب.
قوله عليه الصلاة والسلام: (إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين)، فتأملوا كلمة (بما أنتم عليه)؛ لأنها تتضمن فضيلة لمنهج من يتبع السلف اتباعاً صحيحاً، كما قال تبارك وتعالى في الآية الأخرى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ} [البقرة:137]، تأمل كلمة (مثل)! ففيها أيضاً إشارة إلى عصمة هذا المنهج الذي يقوم على الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا هداية إلا بأن نكون على مثل ما كان عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكما جاء في بعض الروايات أيضاً لما سئل عن الفرقة الناجية قال: (هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
فإذاً: هذه المثلية ليست أمراً اختيارياً، بل هي أمر محتم علقت عليه الهداية، وعلقت عليه النجاة من النار.
وقوله: (للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم)، يعني: أن المسلم الذي يعيش في مثل هذه الأزمان -أزمان الغربة- ويعمل نفس الطاعة التي كان يعملها الصحابي يؤجر مثل خمسين صحابياً كانوا يفعلون نفس العبادة، فاستكثروا ذلك وقالوا له: (يا نبي الله! منا أو منهم -أي: هل تقصد منا أو منهم- قال: بل منكم)؛ لأنه روي في بعض الزيادات: (لأنكم تجدون على الخير أعواناً، ولا يجدون على الخير أعواناً)، فهذه وإن لم تصح فهي تفسير صحيح لظاهرة الغربة.
فمن هو الغريب؟ الغريب: هو الذي يعيش في مكان ليس له أهل، أو له أهل قليلون، فهكذا المتمسك بالسنة، وقد قال: سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (استوصوا بأهل السنة خيراً؛ فإنهم غرباء)، وشأن الغريب أن يرفق به، فهنا الغرباء متمسكون ومسئولون على التمسك بهدي النبي عليه الصلاة والسلام رغم أنهم غرباء في هذا المحيط الهادر من الفتن.
وقوله في الحديث الآخر: (فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر)، أي: أن الصبر فيهن على الدين مثل القبض على الجمر، ليس فقط مجرد الاقتراب من الجمر أو إمساك الجمر، وإنما عبر عنه بكلمة (القبض)، يعني: التمسك مع الألم الذي يحس به نتيجة القبض على الجمر والتمسك بالسنة، لكن الجزاء: (للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم).