الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد خلق الله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: ففي معركة أحد هزم المسلمون لا من قلة في العدد، فقد انتصروا في معركة سابقة بعدد أقل، ولكن خالف بعض المسلمين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت النتيجة أن هزم المسلمون في تلك المعركة.
وفي معركة حنين بعض المسلمين أعجبتهم كثرتهم، فكادوا أن ينهزموا في المعركة، لولا أن ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونادى العباس بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الشجرة الذين بايعوه في السنة السادسة من الهجرة على الموت، فناداهم مذكراً لهم بتلك البيعة التي بايعوها: أن يقاتلوا الأعداء حتى يقتلوا، فأجابوا ملبين، وأنزل الله نصره على تلك الفئة.
وفي معركة الجسر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصر أبو عبيد بن مسعود الثقفي قائد المعركة على أن ينتقل المسلمون إلى الضفة الأخرى تجاه العدو، مع أن جمعاً كبيراً من المسلمين كان رأيهم أن يبقى المسلمون حيث هم، حتى يعبر أعداؤهم إليهم، وكانت تلك هي الخطة، ولكن أبا عبيد أصر على أن ينتقل بالجيش إلى الجهة الأخرى، فكانت موقعة استشهد فيها من المسلمين جمع كبير.
فتلك أخطاء قد يرتكبها بعض المسلمين تؤدي إلى الهزيمة، وقد يلطف الله بعباده لسبب من أسباب النصر، كأن توجد طائفة تثبت في الميدان، وتكون النتيجة أن يصطفي الله سبحانه وتعالى فئة من عباده ويختارهم ليكونوا شهداء.
وينبغي للمسلمين كما علمنا القرآن أن يبحثوا عن أسباب الهزيمة وأن يتعرفوها، ثم تكون دروساً لهم في عملهم وحركتهم، ويستفيدون منها في مستقبل أيامهم، ولكن يبقى الذين لم يخطئوا والذين أخطئوا في دائرة الإسلام، لذا فقد كان شهداء أحد الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من خيرة الشهداء على مر التاريخ، ولقد كان أبو عبيد قائداً فذاً، فقد أصر أن يبقى في المؤخرة والمسلمون ينسحبون إلى الضفة الأخرى حتى استشهد.