ومما يسبب قسوة القلوب: أن الإنسان يقصر نظره على العمل فقط، ولا ينظر إلى ما وراء العمل من الغاية والهدف، فنحن بحاجة إلى أن نتذكر الغاية والهدف في كل خطوة، وينبغي أن يواجه الإنسان نفسه بأسئلة حتى يكون عمله خالصاً لله تعالى.
ففي زحمة الأعمال والأشغال تتداخل الأهداف وتتصارع، وإذا غفل الإنسان عن نفسه فسيجد أن كثيراً من أعماله -إن كان صادقاً مع نفسه- لم يقصد بها الله سبحانه وتعالى، ولم يرد أجره وجنته، ولم يخف من ناره، وإنما عمل ذلك من أجل نيل شهرة أو رياءً أو شيئاً من ذلك، وهذا الأمر خطير، ونحن نعلم مدى خطورة هذا الشيء، فأصحاب هذه الأعمال لا قيمة لعملهم عند الله سبحانه وتعالى، فالثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار هم: مجاهد ومتصدق وعالم، كانت أعمالهم لغير الله، ما فتشوا في نفوسهم وسألوها: لم فعلتِ هذا العمل؟ وما صبروا على أن يكون العمل خالصاً، فهذا يحتاج إلى جهاد، وإلى أن يبذل الإنسان في سبيل ذلك جهداً، وكلنا نحتاج إلى هذا، فالصحابة رضي الله عنهم احتاجوا إلى هذا التوجيه، ونحن بحاجة إليه، يقول أحد الصحابة: ما علمت أن فينا أحداً يريد الدنيا حتى أنزل الله قوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152].
فنحن بحاجة إلى أن نفتش دائماً في نفوسنا ونسألها: لم نعمل هذا العمل؟ فهذا هو أول الدين كما يقول العلماء: أول الدين وآخره الإخلاص في العمل، وهو مضمون قول لا إله إلا الله، بل إن أصل الدين الذي هو محور القرآن الكريم ومحور دعوة الرسل جميعاً ومحور الرسالات السماوية: أن يكون الدين لله، وأن تكون العبودية لله، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له، وفي اللحظة التي تتداخل الأهداف وتصبح عند الإنسان غايات مختلفة غير هذه الغاية يفتر كثيراً، وقد يخطئ في كل شيء.
فالدين لابد أن يكون خالصاً لله تعالى، عند ذلك يكون العمل مثمراً وخيراً، ويكون قليل العمل مباركاً، فالعمل القليل يصبح بالإخلاص عملاً كبيراً مباركاً؛ ولذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، فشق التمرة بالإخلاص ينفع، والعمل الكثير بدون الإخلاص لا خير فيه ولا بركة.