وبعض الناس لا يتدبرون الآيات الكونية ولا الآيات القرآنية، ومن وسائل تقويم النفس أن يكثر المسلم من التفكر في آيات الله، وهو منهج حثنا عليه القرآن الكريم فلا يجوز أن نغفل عنه وأن نهمله، فعلى الإنسان أن يتفكر في السماء ونجومها، وفي الشمس والقمر، وفي الليل والنهار، وفي السهل والجبل، وفي البر والبحر، وفي كل ما خلق الله سبحانه وتعالى من آيات مثل: قطرة الماء، وورق الشجر والثمر، ونسمة الهواء الباردة، ففي كل ذلك إعجاز وإبداع، وعندما يتفكر المسلم في ذلك فإن قلبه يستضيء بقدرة الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:190 - 192].
فوصف الله أولي الألباب بأنهم الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، ويصلون إلى النتيجة من هذا التفكر وهي قولهم: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]، والآيات التي تأمر بالتفكر والتذكر كثيرة، وعلى الإنسان أن يتفكر في أصل خلقته قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]، وأن يتفكر في طعامه: {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا} [عبس:24 - 26]، وأن يتفكر في مخلوقات الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17 - 18] وهذا منهج واضح في كتاب الله ينبغي أن يحرص المسلم عليه حرصاً شديداً.
ثم إن التدبر في الآيات القرآنية المتلوة، لا يكون بإقامة حروف القرآن وتحسين تلاوته فقط، مع أن ذلك شيء طيب وجميل ومطلوب، لكن ينبغي أن ننظر فيما وراء الألفاظ، وأن ننظر في المعاني، وفيما ترشد إليه هذه الآيات فنعتبر ونستغفر.
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي أقوام يقيمون هذا القرآن إقامة القدح ثم لا يجاوز حناجرهم)، وهؤلاء هم الخوارج، فالقرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم يحسنونه ويتلونه ويقومون به آناء الليل والنهار، ولكنهم لا يفقهون هذا الكتاب فقهاً حسناً.
فنحن مطالبون بأن نتدبر القرآن، وأن نتبصر فيه وفق المقاييس التي وضعها السلف الصالح في فهم القرآن الكريم، يقول جل وعلا: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
فالله سبحانه وتعالى ذم هذا الفريق وهذا الصنف من الناس الذي لا يتدبر هداية الكتاب، فالقرآن الكريم نور وهداية، يكشف الظلمات، وهو روح في نفس الوقت كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].
فهو نور وروح يحيي موات القلوب، وهو نور يكشف ظلمات النفس والكفر والشرك والباطل، ويكشف حقيقة أهل الضلال والزيغ والطغاة والظالمين، ويكشف أعمالهم، وهو نور لا يستغني عنه الإنسان، فإنه يبصره بربه، ويعرفه بمنهجه وبحقيقته، فنحن في سبيل إزالة هذا المرض لابد أن نحرص على الإكثار من هذا المنهج الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، وأن نتفكر في آيات الله الكونية المشاهدة المنظورة، وأن نتفكر في آيات الله المتلوة المنزلة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، ويدخل في ذلك فهم الأحاديث والتدبر في معانيها.