الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
أما بعد: فهذه معان عظيمة جاء بها الحديث الكريم، فحري بالمسلم أن يتذكرها دائماً، وأن تكون على باله، فإن لها تأثيراً في صلاح قلبه وفكره وعمله، فتجعله دائماً يتفكر فيما بين يديه، فالناس يعيشون في غفلة، وقد تمضي الأيام والشهور والسنون، ثم يأتي الموت فيجد الإنسان نفسه قد قصر كثيرا، وأنه كان في دنياه غافلاً.
فعلى المسلم أن يتذكر هذا الحديث فلا يظلم الناس، ويلجأ إلى الله تبارك وتعالى في كل أموره، فيطلب منه الهداية والسداد والرشاد، وعليه أن يعلم أن رزقه عند علام الغيوب ليس عند البشر، ولا في خزائن البشر، فلو شاء الله لك لقمة لا يمنعها كبار الطواغيت من أن تصل إليك، فإن الله أعظم من كل عظيم، إذا ما شاء الله لك في أمر ولم يرده عبد كسر رقبته، وأنهى وجوده، فأمر الله ماض، وأمر الله مفعول، وقدره مقدور وكائن لا بد منه، فعلى الإنسان أن يعلق قلبه بربه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:22 - 23] فعلى المسلم أن يعبد الله تبارك وتعالى حباً ورغبة ورهبة ورجاءً وتوكلاً واعتماداً، فالأمر كله بيد الله تبارك وتعالى، فنحن نعبد الله حباً في الله عز وجل، فالله لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، فهو تبارك وتعالى غني عنا وعن أعمالنا، وإذا شاء إذهابنا أذهبنا، وإن يشأ يأت بغيرنا فهو على كل شيء قدير.
أعمالكم هي زراعة اليوم وحصاد الغد، أنتم اليوم تزرعون وغداً تحصدون، فإذا زرعت حنظلاً فستجني حنظلاً مراً، وإذا زرعت شجراً ذا شوك، أتتوقع أن ينتج عنباً وتفاحاً وبرتقالاً؟ كلا، بل ما تزرعه تجنيه، فإذا زرع الإنسان ظلماً وفجوراً وفساداً فسيجني في ذلك اليوم ما زرع.
(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) غداً تقطف الثمرة، فإذا كانت الأعمال التي عملتها سيئة فلا تتوقع أن تجد خيراً، ولكن التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله عز وجل هي التي تطهر العباد من ذنوبهم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات؛ إنك قريب مجيب سميع الدعوات.