الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
أما بعد: فإن هذه الأمة قد جرت عليها ويلات كثيرة وبلاء كثير، وأكبر بلاء ابتليت به هذه الأمة من أنفسها ومن رجالها، من شبابها، من نسائها، من حكامها، هذا البلاء الأكبر الذي ابتليت به الأمة، صحيح يا إخوان! أن اليهود يخططون، وأمريكا تخطط وروسيا تخطط، والكل يريد بالإسلام شراً، لكن بالله عليكم لو كان هذا المسجد قوياً محكم البناء، وهبت عاصفة فإنه سيصمد المسجد أمام العاصفة، أما إذا كان مزعزع البنيان وخاوياً متشققاً لسجد للعاصفة، ألم تهز العواصف البيوت على الدولة الإسلامية الفتية، وذلك عند ما لم يكن رجالها يتجاوزون بضع مائة، وهبت رياح عاتية، العرب من ناحية، اليهود من ناحية، والفرس من ناحية، والروم من ناحية، ومع ذلك ثبت البناء لهذه العواصف، واستطاع المسلمون أن ينشروا الإسلام في بقاع الأرض؟! إذاً: مصيبة المسلمين في أنفسهم، فلو كان بناء الإسلام في نفوس المسلمين قوياً ومتماسكاً، ولم يكن فيهم هذا الغثاء، ولم يكن فيهم أولياء الكفر، وكانوا إخوة في الله، يحكمون شرع الله لما استطاعت هذه الدول الكافرة أن تنال منهم شيئاً، وتكون الدائرة للمسلمين.
فالعداء الذي نشاهده والتدبير الذي نشاهده إنما يؤثر فينا، إذ نحن لم نحكم بناءنا ولم نقوم بناءنا ولم نسدد أنفسنا، فعندما نريد أن ننطلق لنعيد للإسلام عزه ومجده ينبغي أن نفكر في عيوبنا وفي أنفسنا وفي ما أصابنا في عقولنا وعقيدتنا وتصوراتنا، وأن ننظر في سلوك المسلمين، حيث قد ابتعد المسلمون في سلوكهم عن الإسلام إلا من شاء الله، وهذا هو الذي أشرت في البداية أنه كائن، وأن المسلم يلمحه هنا وهناك في بلاد المسلمين، وفي أطراف الأرض، فينبغي أن يأخذ المسلمون بسلوك الإسلام وإن غضب من غضب، ورضي من رضي.
فإذا تحقق ذلك عند ذلك يتنزل نصر الله، وعند ذلك يهيئ الله لهذه الأمة رجالاً لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولا يقدمون أهواءهم ولا شهواتهم على الحق الذي أنزله الله، وعند ذلك ترتفع كلمة الله في الأرض، وترتفع العدالة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، لتحقق الخير للإنسانية، وذلك كائن إن شاء الله.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.