بحوث العقيدة التي كتبت في كتب العقيدة كثير منها إنما هي قواعد يراد منها أن يُحمى المسلمون من الانحراف في باب الاعتقاد؛ وذلك أنها كتبت في عصر كثرت فيه البدع والانحرافات الاعتقادية، فوُضعت قواعد تحمي من يسير عليها من أن ينحرف في هذه الطرق الملتوية التي انبثقت من هنا وهناك، وهذه القواعد ضرورية؛ حتى لا ينحرف المسلم ويزل، فلا بد من دراستها.
وهذه القواعد في ذاتها إذا اقتصر عليها المسلم فإنها لا تعطيه العقيدة المتكاملة، ولا تعطيه التصور الضخم الواضح الذي يدفعه إلى العمل بالإسلام، فوضع العلماء القواعد في باب أسماء الله وصفاته حتى تفهم هذه الأسماء والصفات في ضوئها، ليست هذه القواعد هي العقيدة، وإنما هذه هي الضوابط التي تحكم هذه العقيدة، وتجعل الإنسان يفهم هذه العقيدة فهماً لا زلل فيه ولا زيغ ولا انحراف عن الطريق السوي، وأما العقيدة نفسها فتحتاج إلى خطوة أخرى متقدمة.
فهذه القواعد هي الضوابط التي تفهم على أساسها العقيدة الصحيحة، ولكن نفس العقيدة تحتاج إلى أن تدرس دراسة أخرى من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
إن بعض الناس يدرس هذه القواعد التي وضعها السلف في كتبهم، ولكنه يحس أن نفسه ما زالت عطشى، وأنها لم ترتو فعلاً، وهذا حق، ولقد قصر العلماء -حسب علمي- كثيراً في هذا الجانب؛ اعتماداً منهم على أن كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما الغنية، فتعميق مفهوم العقيدة في الله، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الملائكة، وفي الرسل، وفي اليوم الآخر يحتاج إلى دراسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبحث في هذا المجال، فتدرس تفاصيل الآيات التي تتحدث عن الله، وتتحدث عن اليوم الآخر، ويدرس ما فيها من علم، ويُكثَر من ترديدها والتدبر والتأمل فيها، فينشأ عند الإنسان التصور الاعتقادي السليم.
وأما القواعد والضوابط التي وضعت في الاعتقاد لوحدها فإن العقيدة لا تزال غير متركزة في نفس الإنسان الذي لا يدرسها.