إن المزالق التي تحرف عن الصراط المستقيم كثيرة، فطرق الباطل لا تحصى ولا تعد، وقد خط الرسول صلى الله عليه وسلم في الرمل خطاً، وخط عن يمين ذلك الخط وشماله خطوطاً، ثم أشار إلى ذلك الخط المستقيم وقال: (هذا صراط الله مستقيماً)، وأشار إلى تلك الخطوط المنحرفة ذات اليمين وذات الشمال وقال: (هذه السبل على كل سبيل فيها شيطان يدعو إليه)، ووصف هذا بمثال آخر فقال: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور ملقاة، وداع يدعو من فوق الصراط يقول: أيها الناس! ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو من جوف الصراط كلما أراد أحدهم أن يفتح باباً من تلك الأبواب يقول: ويحك لا تفتحه؛ إنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والأبواب محارم الله، والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من جوف الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم).
فانحراف المسيرة يأتي من أحد هذين الأصلين: إما من جهل الصراط المستقيم وعدم العلم به، وهذا هو الضلال، ومن هنا أُتي النصارى الذين سماهم الله بالضالين؛ إذ عبدوا الله على جهل، وإما أن يأتي من عدم الاستقامة عليه واتباعه مع العلم به، وهذا حال اليهود الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه، ولذلك سماهم الله بالمغضوب عليهم.
وأما حال الذين أنعم الله عليهم فهو معرفة الحق واتباعه، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7].
إنّ من نعمة الله علينا أن الصراط المستقيم الذي ينبغي أن تسلكه المسيرة الإسلامية واضحة معالمه معروفة حدوده، محصور في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي).
وقد حفظ الله دينه من التغيير والتبديل والضياع فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وهذا الدرب لن يخلو من السالكين؛ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم إلى أن يأتي أمر الله وهم كذلك).
فالصراط المستقيم تعاليمه محفوظة في الكتب وفي الصدور، وهو متمثل في رجال وجماعات متناثرة في جنبات عالمنا اليوم، فإذا طلبنا السير في هذا الطريق القويم فإننا سنهتدي بحول الله وقوته، وسنصل إلى الهدف المنشود إن شاء الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].