Q هناك شبهات تثار حول الفرق العقائدية وهي: أن الوقت الآن ليس وقت دعوة إلى عقيدة؛ لأن الدعوة إلى تفاصيل العقيدة كالأسماء والصفات تشغل المسلمين وتفرقهم، وبالتالي يغزون في عقر دارهم من قبل الشيوعيين وغيرهم من الكفار، وهذه التفاصيل في العقيدة لم يطالب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة، فما مدى صحة هذا القول؟
صلى الله عليه وسلم العقيدة الإسلامية هي الأساس الذي يقوم عليه الدين الإسلامي، فالعقيدة الإسلامية في غاية السهولة واليسر، وهناك أمران في العقيدة: أمر في غاية الصعوبة، وأمر في غاية السهولة، فالوصول إلى العقيدة الصافية من خلال الاختلافات العقائدية أمر صعب، إلا على من وفقه الله إليه، لكن الحق الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من العقيدة سهل ميسر، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بها الناس ويتعلمونها في جلسة، ولا زلنا إلى اليوم يستطيع الرجل العادي منا أن يفهم العقيدة السليمة في جلسة واحدة أو في جلستين، لكن الصعب هو أن تصل إليها من خلال هذا الاختلاف الضخم من الفلسفات والتناقضات التي تركت لنا من ميراث المدارس المختلفة.
وأما أن العقيدة لا نحتاج إليها في البناء فهذا كلام خاطئ، نعم، نحن لا نحتاج إلى عقيدة المعتزلة، ولا نحتاج إلى عقيدة ابن عربي، والحلاج، والفرق الضالة، لكن العقيدة الصافية المأخوذة من الكتاب والسنة السهلة الفطرية لا بد منها.
وأحب أن أبين هنا أن هناك فرقاً بين العقيدة وبين ضوابط العقيدة، فالعقيدة تكون بالإيمان بالله تبارك وتعالى وبمعرفة صفاته من خلال النصوص، فمن صفات الله سبحانه وتعالى: الرحمة، والعلم، وهذا جزء من العقيدة، وهو أن يعرف المسلم سعة علم الله، وعظم رحمة الله تبارك وتعالى من خلال ذكر القرآن لهذه الصفات، وهذا أمر لا بد منه، وهذا هو الذي يحيي النفوس ويحيي القلوب، ونحن نتصل بالله ربنا من خلال صفاته ومن خلال أسمائه، فالله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا، فهو غيب في الدنيا، وهو الذي عرفنا بنفسه، ولب القرآن هو معرفة الله، فنحن نعرف الله من خلال أسمائه وصفاته، فكيف يحجر على المسلمين أن يعرفوا ربهم ومعبودهم وفاطرهم؟! وأعظم قضية أن تعرف صفات الله تبارك وتعالى وأسماؤه، فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة)، عبثاً؟! وهل ختم آيات القرآن بسميع بصير، وعليم حكيم، وخبير، عبث.
وهناك ضوابط للعقيدة ذكرها العلماء حتى لا يضل الإنسان وهو يسير في حياته إذا جاءته فكرة خارجية، أو فكرة معتزلية، فقد وضع علماء السلف هذه العقيدة السهلة في صفحات معدودة، بينما تجد كتب المعتزلة كبيرة جداً، مثل كتاب عبد الجبار المعتزلي المطبوع في عشرين مجلداً! لكن العقيدة الإسلامية الصحيحة كثير من علماء المسلمين كتبها في صفحات، وهي عقيدة كافية؛ لأنها ضوابط لمعرفة الله تبارك وتعالى من خلال النصوص القرآنية، والنصوص الحديثية، وهكذا معرفة الملائكة تكون من خلال القرآن والسنة، ومعرفة اليوم الآخر تكون من خلال القرآن والأحاديث، ووصف الجنة والنار تكون كذلك من خلال الآيات والأحاديث، فهذه هي العقيدة التي يتحدث عنها القرآن.
بعد ذلك هناك ضوابط للعقيدة نحن بحاجة إليها حتى لا نضل، وهذه الضوابط لا تملأ قلبك إيماناً، ولكنها تمنعك عن الانحراف، والذي يملأ قلب الإنسان إيماناً هو أن تعرف صفات الله تبارك وتعالى وأسمائه وأفعاله، وتعرف ربوبيته من خلال آيات القرآن الكريم، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:30 - 33]، فتأمل في معاني الآيات، وبعد ذلك انظر كيف يكون قلبك، ومدى قربه من الله تبارك وتعالى.