وانظروا إلى ديار المسلمين اليوم ماذا يحدث بها؟ فقد زعموا أن الشريعة الإسلامية كانت عقبة في سبيل تقدم المسلمين، فحطموا دولة الخلافة زاعمين أنهم يريدون الرقي والحضارة، ثم غيروا القوانين الشرعية وأحلوا محلها القوانين الوضعية، بحجة أنهم يريدون بنا رقياً وحضارة وتقدماً، ثم ماذا كان؟ كان أن تجزأت الديار الإسلامية وضعفت، واعتدى عليها أعداؤها وأذلوها، ثم كان الفقر والجريمة، والإفساد في الأرض أينما توجهت في ديار المسلمين، ولم يزدنا هذا التقدم الذي يسمونه تقدماً وحضارة إلا فساداً وإفساداً.
وما نقلته الصحف في هذه الأيام، ووكالات الأنباء والإذاعات، مما يجري في مصر، وماذا يحدث أو ماذا حدث؟ مئات من الناس سقطوا قتلى، وأضعاف ذلك سقطوا جرحى، وخرج الناس يحطمون ويخربون ويفسدون، لماذا؟
صلى الله عليه وسلم أمران، حسبما تناقلته وكالات الأنباء: الأمر الأول: جوع البطن، فأصبح رغيف الخبز لا يوجد، وأقل الأطعمة شأناً في بلادنا -الأرز والعدس- لا توجد، فماذا يملك الفقير عندما يجد نفسه جائعاً وزوجته جائعة وابنه جائعاً، وهو لا يستطيع أن يفي بالحاجات الدنيا؟ ثم أين تذهب الأموال؟ فبين فترة وأخرى تكشف فضيحة في مصر وفي غيرها، وهذا ليس وقفاً على مصر، بل في أكثر البلاد الإسلامية، فضيحة مالية لا تقدر بالألوف وعشرات الألوف ومئات الألوف، ولا ملايين وعشرات الملايين، بل تصل إلى مبالغ خيالية جداً، عصابة من الموظفين أو المتنفذين يأخذون ثروات الأمة، وفرد يسلب عشرات الملايين ومئات الملايين، بينما عشرات الملايين من البشر لا تجد طعاماً تأكله، وهذا ليس بالأمر الخفي، بل هو أمر قد انتشر في كل مكان، وفضائح في كل مكان.
وهذا الذي أخذ الملايين نفسه عفنة قذرة خربة، فلم يلامسها نور الوحي، ولم يعلم أن هذه الدنيا زائلة، وأنه غداً سيقف بين يدي الله فيحاسبه عما قدم، فيظن نفسه أنه أخذ غنيمة وخيراً، وفي الحقيقة هو أخذ شراً، ثم النتيجة الأخرى أنه ظلم غيره في هذه الحياة الدنيا وحرم غيره من لقمة العيش.
الأمر الثاني: أن هذه الشعوب وإن حرمت من تحكيم شريعة الله، فهي لازالت شعوب إسلامية للإسلام صدى في نفوسها، فهي ترى هذا الفساد من السينمات والمسارح التي تنتهك فيها الفضيلة والحرمات، وتهدر فيها أموال الأمة، فاتجهت إلى تخريب هذه الأماكن المفسدة في الأرض؛ لأنهم مسلمون، ويشعرون بأن هذا من المنكر الذي فرض عليهم تغييره.
وليس هذا في مصر فحسب، فهذه عدن قد سقط فيها ألوف من الناس، لتحكم الشيوعية عليهم، وحتى انقسم الرفاق على بعضهم.
وهذه الحروب بين العراق وإيران يسقط فيها كل يوم ألوف الضحايا، فما السبيل؟ الله تبارك وتعالى جعل الإسلام طريقاً إلى جنته ورضوانه، وجعل الإسلام في الدنيا قانون شريعة، إذا رضي الناس به وحكموا به عند ذلك تصلح حياتهم، والله تبارك وتعالى عندما أهبط آدم من الجنة وضع له ولذريته قانوناً يحكم البشر منذ عهد آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:123 - 126].
فهذا قانون: من اتبع هداي فلا يضل في هذه الحياة ولا يشقى، لا في دنياه ولا في أخراه، والشقاء قد يكون في داخل النفس الإنسانية، وقد يكون في داخل الأسرة، وقد يكون في داخل المجتمع، وإن كان المال وفيراً والخير كثيراً؛ لكن الإنسان يكون شقياً، قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]، أي: في الحياة الدنيا.
وبلاد المسلمين من أكثر بلاد العالم خيراً وثراءً، ومع ذلك فالناس يموتون جوعاً وآخرون يشقون بأموالهم، ولا يستطيعون التصرف في أموالهم تصرفاً حكيماً يذهب البلاء الذي يحيط بهم.
إن العليم الخبير قد شرع لنا تشريعات تصلح النفوس وتصلح المجتمعات، وليست هذه نظريات خيالية، فهذا أمر طبقه المسلمون عبر تاريخهم زمناً طويلاً، وقد يكون التطبيق كاملاً مائة في المائة كما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وقد يكون ناقصاً، وبمقدار تطبيق هذا الإسلام تصلح حياة البشر وتصلح نفوس البشر.
فعجيب أمر المسلمين، فالبلاء يصب من فوقهم، وفي مجتمعاتهم، وربهم يقول لهم: هذا هو العلاج، وهذا هو البلسم والدواء، ومع ذلك نأبى إلا أن نتغنى بحب أمريكا، وبحب روسيا، ومجلس الأمن، وهيئة الأمم، وأن نتغنى بالنظريات التي جاء بها الشرق والغرب، ونأتي بالخبراء من هنا وهناك، والدواء عندنا في خزائننا، وليس دواءنا فحسب، ودواء العالم بأسره، ونأبى كل الإباء أن نتخذ هذا الدين منهجاً ودستوراً وقانوناً يصلح.
والمشكلة أن الذين بيدهم هذه الأوضاع يعلمون أن المسلمين في ديار المسلمين يريدون دين الله وشريعة الله تبارك وتعالى، ولكنهم يأبون إلا أن ينفذوا شرائع البشر وأفكار البشر وقوانين البشر.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله،،،