فعلينا -معشر المسلمين- إحسان الصلة بالله سبحانه وتعالى، وتطهير النفس ومباركتها بالإسلام، وهذه هي أخطر قضية، ويدل على ذلك سبعة أقسام يقسم الله سبحانه وتعالى بها على حقيقة واحدة في قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:1 - 10]، فقد أفلح من زكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقي ذلك من درنه شيئاً؟ فقالوا: لا.
قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا).
فالذنوب والمعاصي تؤثر في الأرواح فتفسدها، وإذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل القلب، وإن لم يتب وأذنب ثانية وثالثة ورابعة عند ذلك يكون حاله كما قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
فالقلوب تحتاج إلى تزكية، والرسول صلى الله عليه وسلم سمى الذنوب والمعاصي قاذورات، وأعظم القاذورات الشرك، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:116]؛ لأن النجاسة الشركية لا تزول، ولو جلس صاحبها في النار مليون سنة لبقيت النجاسة تلازمه.
فالقلوب تحتاج إلى عملية تطهير بالإيمان والعمل الصالح، فالإيمان يغسل هذه الذنوب، وهذه الأوساخ، فعندما جاء عمرو بن العاص مهاجراً هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (بايعوا) فبايع خالد وعثمان، وقبض عمرو يده، فقال: (ما لك يا عمرو! فقال: أشترط أن يغفر لي، فقال له: يا عمرو! بايع؛ فإن الإسلام يجب ما قبله -أي: يزيل ما قبله من الآثام ويغسلها- وإن الهجرة تجب ما قبلها).
فعندما يهاجر المسلم مفارقاً أهله ودياره ووطنه لله وفي الله تغسل ذنوبه، (فإن التوبة تجب ما قبلها)، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفي الحديث: (الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهن، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
فالنفوس تحتاج إلى تطهير دائم، ولا بد من تجديد الإيمان في النفوس؛ لأن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب فيحتاج إلى تجديد، وقد كان الصحابة يقول بعضهم لبعض: تعال نؤمن ساعة.
فيجلسون يذكرون نعمة الإسلام، ويقرءون آيات القرآن، ويتفكرون في آلاء الله ليتجدد إيمانهم.
إخواني! لابد من أن نحسن صلتنا بربنا سبحانه وتعالى، فنحن بحاجة إلى أن نجدد هذا الإيمان مرة بعد مرة حتى لا تقسو قلوبنا فيذهب الخير عنا، فقد ذم الله بني إسرائيل بهذا، فقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة:74]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]، فقد تقسوا القلوب أحياناً ولا تتأثر بكلام الله جل في علاه، وعندئذٍ نحتاج إلى أن نجدد إيماننا.
والذي يحدد الإيمان: الأعمال الصالحة، فالصلاة تجدد إيماننا، والصيام يجدد إيماننا، وذكرنا لربنا سبحانه وتعالى وتفكرنا في آلائه ونعمه كل هذا يبني أرواحنا من داخلها، فنحس أن للحياة طعماً، وأن للإيمان أهمية، ونحس بأهمية الرسالة التي نتحملها، وبالتالي لا نكون عبئاً على دعوتنا، ولا تكون دعوتنا عبئاً علينا.
وتصبح معاني الإيمان والإسلام لها طعم خاص في نفوسنا، وندرك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: في حلاوة الإيمان، فللإيمان حلاوته في نفوس المؤمنين، حلاوة يشعر بها الذين عانوا في سبيل الإسلام، والذين جاهدوا في سبيل الإسلام، والذين حققوا ما أمر الله سبحانه وتعالى به.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يذكر ثلاث علامات يجد الإنسان بها (حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).
فإذا نحن حققنا الإيمان في أنفسنا، وحققنا الأخوة فيما بيننا، وتحملنا الأمانة نريد بها وجه الله ولنجاهد بها الباطل، فعند ذلك سنجد طريقنا ونحن نمضي في مسيرتنا، وعند ذلك سينصرنا الله سبحانه وتعالى، وعند ذلك سترتفع راية الإسلام من جديد، وعند ذلك سيعلم الناس أن هناك ديناً غير الشيوعية، وغير الرأسمالية، وسيتحقق للناس الأمن والرخاء، والسعادة والهناء.
وها قد بدأت الحضارة الأوروبية اليوم في الانهيار، فأمراضها تفتك بها، وما يحدث في بريطانيا في أيامنا هذه دليل كالشمس في رابعة النهار واضح للعيان، فهم يدمرون بيوتهم، ويهلكون أنفسهم، ويخربون متاجرهم، ويحرقون العمارات التي بنوها بأيديهم.
وهذه بداية الانهيار، وهذه علامة واحدة من علامات كثيرة، وأنا لا أقول هذا من عندي، بل فلاسفتهم وكتابهم ومفكروهم يقولون هذا، فهم يتوقعون سقوط الحضارة الأوروبية، فستنهار الحضارة الرأسمالية، وقد يكون في انهيارها دمار لكثير من الأقطار؛ لأنها قامت على دعامات فاسدة، فتجاهلت روح الإنسان وحقيقته، وأرضت الجسد، اعتنت بالجسم وأهملت الروح؛ ولذلك فلا يمكن لها أن تثبت.
فهي لم تعرف من الدنيا إلا عالم المادة ونسيت عالم الروح، فلا يمكن أن تقوم، لأن الإنسان روح وجسد.
فإذا فهمنا، ديننا وجددنا الإيمان في نفوسنا، وأحسنا صلتنا بربنا سبحانه وتعالى، وحققنا الأخوة فيما بيننا، وكونا عالم الإسلام في ديارنا، فسيتحقق لنا النصر بإذن الله تعالى.
فقد أنزل الله الإسلام لينتصر، وإن لم ينتصر بأيدينا فسيقيظ الله له أقواماً ينصرونه ويرفعون لواءه، ولكن الخاسر هو من ترك هذا الدين.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضى، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وتولنا برعايتك، وتقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وتجاوز عن زلاتنا وخطايانا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.