الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً لهذا القرآن الكريم، فقد كان قرآناً يتحرك ويمشي؛ لأنه جسَّم هذا القرآن في نفسه، ولذلك فإن أحكامه صلوات الله وسلامه عليه وتصرفاته كانت مجسمة لهذه المعاني التي ذكرتها، وعندما كان يغفل في بعض الأحيان كان يأتي القرآن لينبهه وليذكره.
ومن جملة ذلك: عندما لم يلتفت إلى الأعمى وهو عبد الله بن أم مكتوم عندما جاءه يسعى ويقول: يا رسول الله! علمني، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولاً بسادة قريش يرجو إسلامهم لعل الله يعز بهم الإسلام، فلم يلتفت إلى الأعمى وهو يقول له: يا رسول الله! علمني، فنزل القرآن معاتباً رسوله صلى الله عليه وسلم: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:1 - 11].
ولذلك فقد جاءت جماعة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم خليط من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سادة قريش الذين آمنوا من الطلقاء وغيرهم، فأذن لهؤلاء الفقراء المساكين بلال وعمار وصهيب وغيرهم ولم يأذن للسادة إلا متأخراً فغضبوا، فقال أحدهم: والله! ما فاتكم من الأجر أعظم.
وهذا تفضيل في الدنيا، أما التفضيل عند الله فشيء آخر، فعليكم بالجهاد.
فقد انطلق عمر أيضاً من فهمه لهذا الميزان، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لهم مكانة ومنزلة خاصة عند المسلمين، وينبغي للمسلم كذلك أن يتبين أمره في مثل هذه الأمور وألا تأخذه عصبية جاهلية، أو قيمة دنيوية فيضل أو يضل.
اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقناً اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.