الله سبحانه وتعالى بمجرد أن أراد خلق آدم أعلن ذلك للملائكة، يعني: قبل أن يوجد الإنسان كان عند الملائكة علم بأن هناك مخلوقاً سيوجد في الأرض صفته كذا وكذا، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].
وبعد أن خلق آدم وشكله ونفخ فيه الروح أمر سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71 - 72]، فالملائكة سجدوا جميعاً إلا إبليس رفض أن يكون مع الساجدين، قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص:73 - 74].
وسجود الملائكة كلهم لا بعضهم هو قول عامة أهل العلم، وسجود ملائكة الأرض واضح من قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص:73] فهذا أسلوب في اللغة العربية يعم الملائكة جميعاً، وقد أكد الله ذلك بكلمتين تفيد هذا العموم إفادة كلية شاملة فقال: (كلهم أجمعون)، فلا يجوز الخلاف في ذلك كما يقول ابن تيمية، فلا يجوز لأي إنسان أن يقول: إن الذي سجد نفر من الملائكة؛ لأن اللفظ هنا واضح لا لبس فيه في أن الساجد هم الملائكة جميعاً.
ومن الأشياء التي روتها لنا السنة: أن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم وأسجد له ملائكته أمر الله سبحانه وتعالى آدم أن يذهب إلى نفر من الملائكة قريبين منه فيسلم عليهم فيقول كما ردوا به عليه، فهي تحيته وتحية ذريته، وهذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه ورحمة الله).