إن الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
مما ترويه كتب السنة أن الصحابي الجليل أبا الدرداء كان جالساً في مسجد دمشق، فجاءه رجل من أهل المدينة، فقال له: يا أبا الدرداء! جئتك من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بي من حاجة إلا أن أسمع منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً يسر الله له به طريقاً إلى الجنة).
رجل يخرج مسافراً يقطع الفيافي والقفار، مسافات شاسعة لا يخرجه من بيته ويجعله يتحمل أعباء السفر إلا أن يسمع أحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم ممن سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبشره صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطريق الذي سلكه في خروجه من بيته لطلب العلم إنما هو طريق يوصله إلى جنة الله تبارك وتعالى.
وفي حادثة أخرى في إحدى المعارك يخطب الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري في المسلمين قبيل المعركة، فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)، فيقول رجل من المقاتلين يسمعه: أأنت سمعت هذا يا أبا موسى من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، فيذهب إلى قومه فيقول: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر غمد سيفه، ومشى إلى الأعداء فقاتل حتى استشهد في سبيل الله، وقد فعلها من قبله في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عمير بن الحمام، الشاب الذي قاتل في معركة بدر عندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجنة تحت ظلال السيوف فقال: بخٍ بخٍ يا رسول الله! قال: وما يحملك على أن تقول بخٍ بخٍ؟ قال: يا رسول الله! لا والله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها)، وكان يأكل تمرات في يده، فقال: لئن عشت حتى آكل هذه التمرات، إنها لحياة طويلة.
ولو ذهبت أحدثكم عن مثل هذه الأحاديث التي تبين نوعية هذه الاهتمامات التي كان يهتم بها المسلمون لطال الحديث، لقد كانت اهتمامات عالية في القمة، ما كان المسلمون يضيعون أوقاتهم في أمور تافهة، ولا يضيعون أموالهم في أمور حقيرة، وإنما كانت همتهم جنة الله تبارك وتعالى، هذا هو الهم الأكبر الذي يسخرون من أجله أموالهم ويسخرون من أجله أنفسهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] هذا هو الثمن، يبيعون النفس والمال ويقبضون الجنة.
هذا هو الاهتمام الكبير، والجائزة كانت معروفة عند المسلمين، عندما يقال: فلان عالي الهمة، فيقولون: إذاً: لا يرضى بما دون الجنة، نفوس عالية، وهمة سامية، يبذل الإنسان أعز ما يملك! يبذل ماله ونفسه! إنها همة عالية في القمة لا يهتمون بسفاسف الأمور وتوافهها.