الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.
وبعد: في هذه الأيام التي تشتد فيها الخصومة، ويشتد فيها العداء، وتحتار الأمة في رسم طريقها، ويحتار القواد كيف يفعلون، ويحتار رجال السياسة ماذا يصنعون، تأتي كلمات الرسول صلوات الله وسلامه عليه لتبين المنهج والطريق: (احفظ الله يحفظك).
يا أمة الإسلام! لا تشرقي ولا تغربي، وإنما سيري إلى الله تبارك وتعالى، واتبعي منهج الإسلام كما أمرك ربك تبارك وتعالى، فليست شرقية ولا غربية، إنما هي ربانية، إنما هي إسلامية، إنما هو طريق القرآن، إنما هو طريق محمد صلوات الله وسلامه عليه، فاحفظ الله أيها الفرد المسلم وأيتها الأمة المسلمة، فالله تبارك وتعالى يدافع عمن حفظوا أمره وشرعه.
لقد التجأنا إلى كل الدول وإلى كل القوى فما أغنت فتيلاً! وما أغنت عنا شيئاً، فإن البلاء يصب علينا منهم صباً، والناس لا يجدون حيلة، وليس هناك إلا الطريق الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو: أن تعود هذه الأمة إلى أصالتها، وأن تعود إلى دينها وكتابها، وأن تعرف كيف تأخذ وكيف تسعى في هذه الحياة، ومن تصادق ومن تعادي، ومن توالي ومن ترفض، عند ذلك يكون لهذه الأمة شأن.
أما والحالة هذه فالخطر كبير، والمصاب جلل، فالأمة تتردى، ونحن لا نعرف الطريق، ونتلهى بالقشور في كل يوم، تلهينا الإذاعات والتلفزيونات، وتلهينا الصحف والمجلات، ويلهينا الباحثون والكاتبون والسياسيون، الخطر محدق بنا ونحن نعيش فوق بحر خضم من التفاهات والتناقضات في حياتنا! ومن آخر ما يحزن قلب كل مسلم ما تنشره الصحافة في هذه الأيام: أن كتاب الله تبارك وتعالى أصبحت آياته توطأ وطئاً، وتغلف به النعال في أوروبا، كتاب الله يداس بالأقدام عند النصارى الذين نمد لهم في كل يوم يداً، ونستقبلهم في ديارنا! أصبحت آيات الكتاب أضحوكة، وهذا ليس بالشيء الجديد، فقد تحدثت بهذا منذ سنوات عندما جاء إلي أخ بلباس داخلي تلبسه المرأة على فرجها، وقد كتب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحدثت بهذا من فوق هذا المنبر، وقلت لكم: انظروا يا مسلمون! ورأى هذا أناس كثيرون من الإخوة المصلين، رأوه بأم أعينهم، ثم رجالنا ومفكرونا لا يزالون يصلون تجاه واشنطن، وموسكو، ولندن، وباريس، وهم الذين يكرهوننا، ويحقدون علينا، ويسخرون بديننا، ويسخرون برسولنا صلوات الله وسلامه عليه، ويسخرون بكتابنا كما تشاهدون وتسمعون.
ومن خبثهم أنهم يسمون الأماكن التي يشربون فيها الخمر والتي يفسقون فيها مكة، باسم أشرف وأطهر بلد فوق ظهر الأرض، أي أمة هذه الأمة التي فقدت الإحساس بالآلام؟! ولكن كما قال الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت إيلام يلوموننا لأننا نتجه إلى معاونة المسلمين في أفغانستان، ولأننا نعاونهم في كل مكان، ولأننا نحب الذين يعتقدون عقيدتنا ويشعرون بشعورنا، يلوموننا على ذلك، ولا يلومون أنفسهم عندما يولون وجوههم إلى مجلس الأمن، وإلى هيئة الأمم، وإلى بريطانيا، وإلى أمريكا، ثم تأتي الصفعات، مرة من مجلس الأمن، ومرة من هيئة الأمم، ومرة من أمريكا، ومرة من بريطانيا، ويدوسوننا بالنعال!! يقول الخبيث كيسنجر الذي نعرف خبثه وفساده: العرب كالكلاب كلما ضربتهم على رءوسهم جاءوا إليك، هذا تصوره، وهذا هو واقع، فكم صفعنا؟ وكم ضربنا؟ وكم أوذينا؟ وكم داسوا فوق ظهورنا؟ وأخذوا بلادنا؟ وامتصوا خيراتنا؟ فعشرات الملايين من المسلمين ذبحوا بيد أم الحرية فرنسا، وأم الحضارة أمريكا، والدولة التي كانت العظمى في ذلك الوقت بريطانيا، ولا ننسى إيطاليا، ولا ننسى اليهود الذين تمدهم كل هذه الدول، ثم بعد ذلك يكون لنا عين تتجه إلى هؤلاء ونقبل جبينهم! أما آن لهذه الأمة أن تفهم حقيقة الأمر، وأن تفهم موازين النصر، وأن تفهم طريق العزة؟ لقد لخصها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في كلمتين: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).
فإذا حفظت الله تبارك وتعالى فإنه يحفظك، وإذا حفظته تبارك وتعالى فتجده أينما كنت، بعونه وتوفيقه وتسديده، حتى لو ألقيت في قعر بئر، أو صعد بك إلى السماوات العلى، فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو عليم بكل شيء، خبير بكل شيء، فإنه سبحانه مالك الملك القهار الجبار، سبحانه وتعالى.
فهذا سبيل النصر، وهذا ميزانه، وبهذا تحفظ الأمة نفسها، ويحفظ المسلم نفسه، وبغير ذلك يضيع كل شيء.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.