إن الحمد لله، نحمده ونستعنيه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد: فكثير ما يتفكر المسلم في هذه الأيام في أحواله وفي أحوال المسلمين من حوله، فيا ترى لو قدر للمسلمين أن يقوم فيهم ابن الخطاب رضي الله عنه من جديد، أو يأتي صلاح الدين من جديد، أيستطيع أن يبعث الأمة من رقدتها؟ أيستطيع أن يقوّم اعوجاجها؟ أيستطيع أن يدفعها إلى الأمام لتحمل الراية من جديد؟ إنها أسئلة تتوارد على فكر الإنسان المسلم، وهو يرى ما يرى.
إننا نرى في هذا العصر أعداء الإسلام قد امتلكوا أسباب القوة، هؤلاء الذين أذلهم المسلمون في الماضي عندما كانوا مقيمين في ديار المسلمين وأرادوها عوجاً، فعلمهم المسلمون كيف يكون الرجال، لقد كانوا يسكنون المدينة وأطراف الجزيرة العربية فكانت ضربات المسلمين ضربات موجعة، فمرة يخرجون على دوابهم لا يأخذون معهم إلا ما تحمل ظهور الدواب، ومرة يحكم فيهم ابن الإسلام بأن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم ونساؤهم، وأن تستلب ديارهم وأموالهم، ومرة يغير عليهم جيش الإسلام وهم خارجون إلى الحقول، كما وقع في خيبر، فيتنادون: محمد والخميس، أي: والجيش العظيم؛ لما رأوا من عظم جيش المسلمين، وما زال يحيط بهم الجيش الإسلامي حتى استسلموا، ثم أخرجهم الفاروق في خلافته، وطهر الجزيرة من رجسهم وقذرهم.
إن أعداء الإسلام اليوم يمتلكون قوة بغوا بها، فبالأمس تغير طائراتهم على ديار المسلمين، لقد أغارت على النساء والأطفال والرجال وعلى البيوت والمساجد والمدارس، وكأنما تغير على ثكنات عسكرية، وقد كانت تلقي حملوتها من القنابل والقذائف فتدمر وتقتل نساءً وأطفالاً ورجالاً لا يملكون سلاحاً.
ويمر الحدث وكأن المسلمين لا يسمعون، وكنت أود أن أجعل هذه الخطبة حديثاً عن مشكلة اجتماعية، كما طلب مني بعض الإخوة في هذا المسجد، فإنهم قالوا: أنت نسيت مشكلاتنا، مشاكل نسائنا وأبنائنا، فكنت أتمنى أن أتحدث عن ذلك، ولكن تحت المشاهد التي يراها المسلم تنزل بأهل الإسلام لا يستطيع المسلم أن يترك الحديث عنها، فماذا يقول للناس؟ هل يحدثهم عن مشكلة زوجة ومشكلة طفل وأطفال المسلمين يقتلون، والمسلمون يذبحون، والمساجد تدمر فوق رءوس المصلين، والنساء يقتلن بقنابل العدو، والعدو يدخل المساجد بالسلاح، وكلابهم تنهش المسلمين، ولا يملك المسلمون أن يردوا عدوانهم، وأسير نصراني كافر تهتز له أمريكا، وتطلقه دولة تسمى بالإسلام بعد أن تسمح له بأن يقيم حفلة في أعياد الميلاد وهو أسير؟! وبالأمس طائرات هذا الأسير كانت تقذف حمماً فوق رءوسنا، واليوم يذهب معززاً مكرماً! في الوقت الذي تدك طائرات أبناء القردة والخنازير ديار المسلمين، ماذا يفعل قائد لو بعث من جديد؟ ماذا يفعل بالمسلمين؟ ليست المشكلة مشكلة فرد، وإنما هي مشكلة نفوس ينبغي أن تتربى على الإسلام، إن القائد يفعل ما يفعل إذا كان وراءه رجال يعرفون أنفسهم، ويعرفون دينهم، ويعرفون طريقهم، فالطريق أن يبعث الإسلام من جديد في نفوس أهله، فيصلح هذه النفوس، ويغسل منها أدرانها، ويعيد إليها صفاءها، ويصلها بربها تبارك وتعالى.