إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إن في عمر البشر، وفي عمر الأفراد، وفي حياة الأمم عبر تاريخها مناسبات غالية على النفوس، يحاول البشر أن يحيوا هذه المناسبات بأشكال مختلفة تعبيراً عن فرحتهم بهذه المناسبة.
ومن هذه المناسبات: ذكرى انتصار في معركة، أو ذكرى قائد فذ في تاريخ الأمة، أو ذكرى حادثة معينة، وكل أمة تحتفل في أعيادها بما يناسب توجهاتها.
وإن في تاريخ هذه الأمة ذكريات لها أثر كبير، ومناسبات عظيمة من أعظمها إن لم يكن أعظمها تنزل هذا الكتاب الذي صنع هذه الأمة، فصحح عقيدتها، وزكى فكرها، وأصلح سلوكها، وأقام علاقاتها.
إن تنزل هذا الكتاب من أعظم الأحداث، لا أقول في تاريخ الأمة فحسب، بل في تاريخ البشرية أجمع، فرب الكائنات ينزل كتاباً هو كلامه، على رجل من البشر يختاره، لكي يصنع هذه الأمة، بل ليكون رسالة للبشرية جميعاً؛ ولذلك حمد الله تبارك وتعالى نفسه، وأثنى على نفسه؛ لأنه أنزل هذا الكتاب فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1]، إنها نعمة تستحق أن يحمد الله تبارك وتعالى عليها.
وأخبر أن هذا الكتاب هو عز هذه الأمة فقال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10] أي: فيه عزتكم.
أترون أن هذه الأمة التي كانت تعيش في مجاهل الصحراء الشاسعة في الجزيرة العربية، كان سيكون لها ذكر لو لم ينزل عليها هذا الكتاب؟ هل رعاة الإبل الذين كانوا يتصارعون على لقمة العيش يخرج منهم القواد الذين دوخوا العالم، ورفعوا هذا الكتاب عالياً لتهتدي به البشرية؟ ((لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)) أي: فيه عزتكم ورفعتكم في الدنيا وفي الآخرة.
من تلك الأمة المشتتة أخرجت خير أمة أخرجت للناس، تحكم الأرض بميزان السماء، وتقيم من البشر أنموذجاً ينافس ملائكة السماء، وإن الله تبارك وتعالى في كثير من المواقف كما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم يباهي ملائكة السماء بأفراد من البشر.