وقال بعضهم: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بنص فافعل، يعني لا بد أن يكون لك قدوة في عملك، وفي قولك، وكان -رحمه الله- يسوغ استفتاء فقهاء الحديث، وأصحاب مالك ويدل عليهم، ويمنع من استفتاء من يعرض عن الحديث ولا يبني مذهبه عليه، ولا يسوغ العمل بفتواه؛ لأن عناية الإمام أحمد بالوحيين ظاهرة، حتى أن من أهل العلم من لا يعده فقيهاً، وإنما يعده من أهل الحديث، وابن عبد البر لما ترجم للأمة الفقهاء ترجم للثلاثة وتركه، لكن مثل هذا لا يضيره، ففقه معروف، ومتداول وأصحابه فيهم كثرة، وحملت علمه الذي بقي إلى يومنا هذا قامت بهم مئونة حمل هذا العلم العظيم، عن هذا الإمام المقتدي المؤتسي، المتثبت إمام أهل السنة الإمام أحمد.
قال أبو داود في مسائله: "ما أحصي ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول: لا أدري، قال: وسمعته يقول: ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى، أي ما رأيت أحسن منه، وكان أهون عليه أن يقول: لا أدري" يقول: لا أدري.
وقال سحنون بن سعيد: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه".
ويقول ابن القيم: "الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم، ومن غزارته وسعته، "الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم، ومن غزارته وسعته".
فقليل العلم -مثل ما ذكرنا سابقاً- يريد أن يبني شخصيته، ولو كان على حساب دينه وشغل ذمته، والعالم المتبحر عنده ما يجيب به في كثير من المسائل أو كبار المسائل.
يقول: "فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا وقد بلغ ما جمع من فتواه في عشرين سفراً" عشرين مجلد.