طيب قد يقول قائل: كيف يتورع الصحابة عن الفتوى وهم يعرفون الجواب، ويأتيه السائل من بعيد ويقول: اذهب إلى فلان، ثم فلان يقول: اذهب إلى فلان، فلان يقول: اذهب إلى فلان، لا شك أن هذا ورع، وقد أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا، وأبو هريرة يقول: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(159) سورة البقرة] آية مخيفة تجعل العالم يبذل، وإن كان بالمقابل أيضاً على خطر شديد، فالفتوى قول على الله، فإذا كانت من غير علم ولا تثبت فهي كذب على الله -جل وعلا-، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [(116) سورة النحل] كذب على الله ليس ككذب على أحد، إذا كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد)) فكيف بالكذب على الله -جل وعلا-؟ المسألة خطيرة يا الإخوان، وإذا ضممنا هذه الآية إلى قول الله -جل وعلا- في سورة الزمر: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هل يرضى الإنسان من أجل أن يقال: عالم يرضى بمثل هذا؟ وما الذي يدعوه إلى أن يجيب؟ إما بجهل أو بغير تثبت أو بتسرع، الذي يدعوه إلى ذلك من أجل أن يقال: فلان عالم، من بحور العلم، والله ما رد أحد، يسأل ويجيب بسرعة، أقول: يا أخي هون على نفسك، أتعلم من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، ترى فيهم رجل تعلم وعلم، ولكن ليش؟ ليقال: عالم.
ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندمِ