بالنسبة لتدوين السنة، جاء في حديث أبي سعيد عند مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه))، ومع ذلكم كان من الصحابة من يكتب، فمنهم من حمل هذا الأمر أو هذا النهي على الكراهة، الأمر على الكراهة، يعني خلاف الأولى، يعني اعتنوا بالقرآن ولا تخلطوا معه غيره، ومنهم من حمل هذا النهي على ما إذا خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن بأن تكتب السنة مع القرآن في صحيفة واحدة فيتجه النهي حينئذٍ، ومنهم من حمله على ما إذا اعتمد الناس على الكتابة وتركوا الحفظ.؟
والواقع يشهد بهذا، أن من اعتمد على ما يكتب فإن الحافظة عنده تضعف إلى أن تذهب، فالذي يكتب ما يحتاج إليه، يعتمد على هذا المكتوب، ثم إذا تذكر شيئاً منه لم يذكره، بينما من لم يكتب وانتبه لما يُذْكر وما يُقال لا شك أنه يحفظه، والناس متفاوتون في الحفظ قوة وضعفاً.
بعد هذا أُمن المحظور، فأمر عمر بن عبد العزيز بكتابة السنة؛ خشية أن تضيع بموت الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا هو بداية التدوين الرسمي للسنة، وأما قبل ذلك فهو تدوين شخصي ككتابة عبد الله بن عمرو بن العاص، في قوله عليه الصلاة والسلام: ((اكتبوا لأبي شاه)) هذا أمر بالكتابة لكنه نادر، ويبقى أن الضبط والكتابة للقرآن، ولم يكتب غيره خشية أن يختلط به.
وما خيف منه من الاعتماد على الكتابة وضياع الحفظ هو الحاصل، فالناس قبل أن يكتبوا يحفظون، والتدرج الزمني الذي حصل يشهد بهذا، فكان الصحابة يحفظون السنة، ثم بعد ذلك جاء بعدهم التابعون وهم حفاظ، ثم بعد ذلك بدأ التدوين وما زال الحفظ في الأمة حتى وجد من الأئمة من يحفظ سبعمائة ألف حديث أكثر من الحواسب، أكثر مما جمع في الحواسب بكثير، ثم انتشرت الكتابة وما زال الأمر يضعف، -أعني مسألة الحفظ؛ حفظ الصدر-، وإن كان حفظ الكتاب الذي هو عنوان وبرهان لحفظ هذا الدين ما زال مستمراً.
ولم يفت على الأمة شيء، ولم يضع من دينها وعلمها شيء بمجموعها، استمر الأمر على ذلك والحافظة عند الناس تضعف اعتماداً على هذه الكتب، ونظراً لكثرتها وتنوعها وتشعبها.
تدوين الكتب: