إذا علم هذا فما يحمله الفساق الذين لا يخشون الله -جل وعلا- مما يمكن أن يسمى علماً، هو في عرف الناس علم؛ لأنه إذا سئل أجاب، أجاب عن الحكم بدليله، وهذا في عرف الناس علم، الفساق عندهم معرفة بالأحكام، وعندهم أدلة، وعندهم طريقة صحيحة لكيفية الاستنباط من الأدلة، درسوا هذا وأتقنوه وعرفوه، لكن ارتكبوا بعض المحرمات، وتركوا بعض الواجبات هل نقول: إن هذا علم شرعي موروث؟ هل ينظر إلى العالم بمجرده أو ينظر إلى العالم بعلمه وعمله معاً؟ الذي يحمله الفساق ليس بعلم موروث وإن كان في عرف الناس علم، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] يعملون السوء بجهالة، الذي يشرب الخمر وهو يعرف الحكم أن الخمر محرم، الذي يزني ويعرف أن الزنا حرام، الذي يرابي ويعرف أن الربا حرام له توبة وإلا ليست له توبة؟ {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] هل نقول: إن هذا للجاهل أو للذي يعرف الحكم؟ لأن من أنواع الجهل ما يعذر به صاحبه، فباب التوبة للعالم بالحكم والجاهل على حد سواءً، إذاً ما المراد بالعالم هنا والجاهل؟ العاصي جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل؛ لأننا لو قلنا: إن الذي يعلم الحكم عالم وإن عصى قلنا: إنه ليس له توبة؛ لأن التوبة محصورة بمن ارتكب المعصية عن جهالة، التوبة محصورة فيمن عصى الله -جل وعلا- عن جهالة، فمن عرف الحكم إن قلنا: عالم قلنا: ليست له توبة، وهذا خلاف ما أجمع عليه أهل العلم، ودلت عليه النصوص القطعية، وإذا قلنا: جاهل، فما يحمله من علم ليس في الحقيقة بعلم، إذاً ميراث النبوة هو العلم المبني على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، المورث للعمل والخشية، ومع ذلك يتطلب أمراً ثالثاً مهماً وهو الدعوة إلى هذا العلم وتعليمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015